ما سر التحوّل الجنسي الذي أضحى سائداً في أفلام شباب الكوميديا؟ أليس سوى «موضة» حققت نجاحاً لدى البعض فقرر البعض الآخر استخدامها؟ هل أفلس هذا الجيل فكان عليه تسول الضحك؟ ما هي شروط التحول ومواصفاته؟ كيف يمكن توظيفه لخدمة المضمون؟ مَنْ نجح من نجوم المشهد الحالي في تجسيد أدوار النساء؟ هل الماكياج الخارجي هو المحك أم أن النجاح مرهون بحجم تفاعل الجمهور مع أداء الفنان؟ وهل التحول العكسي (النجمات إلى رجال) يلقى النجاح نفسه أم أن نجاح الظاهرة مقتصر على الرجال فحسب؟ هذه الأسئلة وسواها تفرض نفسها مع كل فيلم «كوميدي» للمضحكين الجدد. بتعبير أدق، لا يكاد يمر موسم سينمائي من دون مساهمة جديدة في هذه الظاهرة لعل آخرها للفنان محمد سعد وفيلمه «كركر» وقبله أطاطا في «عوكل». نجاح أطاطا يوازيه نجاح هنيدي الأكثر تميزاً في تجسيد أدوار النساء، بدءا بخالتي نوسة في الفيلم الذي حمل اسمها، تلك الشخصية التي سبق أن قدمها هنيدي في العرض المسرحي «ألابندا» ونالت قبولا جماهيريا ونقدياً، مرورا بشخصية بائعة الهوى التي قدمها في فيلم «جاءنا البيان التالي» وأخيرا وليس آخراً شخصية المرأه الخليجية في فيلم «صاحب صاحبه».الفنان هاني رمزي هو الآخر حرص على خوض التجربة في فيلمه «أبو العربي» غير أنها لم تلق القدر نفسه من النجاح على عكس أقرانه من نجوم الكوميديا، ربما لأنها لم تكن أكثر من إيفيه بلا مبرر وأثارت إستياء الجمهور والنقاد معاً.تحول معاكسهذه المشاهد ليست الوحيدة التي قدمها نجوم الضحك الشباب وجسدوا فيها أدوار نساء. فمنذ نجاحهم في الحضور على الخريطة ثمة إصرار على طرح تلك النماذج رغم الهجوم الذي يطاردها بسبب عدم وجود مبرر درامي يحتمها ما يجعلنا نسأل عن كوميديا التحول الجنسي أو النوعي إلى أي حد يمكن أن تدفع بنجومها الى القمة أو تمنحهم في أقل تقدير بعضاً من وهج النجاح؟ السؤال بات ملحا ونحن نشاهد فيلما تلو الآخر يتحول بطله أو بطلته الى الجنس الآخر وإن تكن الحالة الأولى الأكثر تداولاً في المشهد السينمائى الراهن. ربما لأن الكوميديا النسائية، كما تؤكد الناقدة ماجدة موريس، لا تزال تتحسس طريقها. ورغم قلتها وندرتها إلا أنها شهدت إبحاراً فى تلك الظاهرة.الآنسة حنفيفي كتابه «العصر الذهبي للكوميديا» يؤكد الناقد أشرف غريب أهمية وجود مبرر درامي مقنع، مقدماً نموذجاً فيلمي «الآنسة حنفي» للمبدع الراحل إسماعيل يس و»سكر هانم» للراحل عبد المنعم إبراهيم فالأول لا يمكن لحوادثه أن تستقيم من دون تلك الشخصية النسائية. بتعبير أدق، الفيلم كله يصبح بلا معنى إذا لم يتحول حنفي الأخ المستبد الذي يعامل شقيقته بقسوة إلى امرأة اسمها حنفي تعاني بعد التحول قهراً، ولا تملك إرادة الاختيار. فالفيلم الذي أخرجه فطين عبد الوهاب ينادي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الاجتماعية ما يفسر مفارقة التحول التي كانت شديدة الإمتاع والرقي.أما الفيلم الثاني «سكر هانم» ورغم أن هدفه الإضحاك، إلا أنه يقوم على حتمية تنكر رجل (كومبارس في السينما) في شخصية امرأة لمعاونة أصدقائه. يحكم السيناريو قبضته عليها فتقدم بذكاء وحرفية عالية تحسب للفنان الراحل عبد المنعم إبراهيم، ما يشير الى ضرورة مبرر درامي كي يقتنع المتلقي بأهمية التحول وأسبابه.مؤنث مذكر أما الناقد والباحث د. أحمد يوسف فيؤكد عبر دراسته المهمة «مؤنث مذكر في السينما المصرية» أن تقمص الرجال للشخوص النسائية ليس أكثر من محاولة لإضحاك الجمهور بأي طريقة كوسيلة وحيدة لتحقيق الإيرادات، ما يشير الى عدم توافر شروط فنية تبرر هذا التحول، ناهيك بأن التقمص الفني يفتقر الى الحد الأدنى من التفاعل بين الفنان ونموذج الأنثى التي يجسدها.أما الناقد السينمائي طارق الشناوي فيرى أن الضحك مرتبط بظرف اجتماعي واقتصادي وسياسي ونفسي تعيشه الجماهير وحين يتغير هذا العامل المؤثر يتضاءل الضحك أو يخفت تماماً، لذا يفتش نجوم الضحك عادة عن نماذج تمنحهم قدراً أكبر من التواصل، خاصة في ضوء المنافسة الشرسة على الإيرادات والمنافسة الأشرس على زعامة القمة.من هنا، يتابع طارق، يلجأ أي فنان الى استخدام ما يملك من قدرات. يغدو نجاح أي تحول «نوعي» ضمانة نجاح «حالات» أخرى متكررة وإن كان لا بد لنجاحها من أن يقترن بمعالجة درامية محكمة أي ضرورة فنية لا مجرد إيفيه ضمن اسكتش ضاحك بلا منطق أو مبرر. ذاك ما يحدث، ويا للأسف، في عدد كبير من تلك الأفلام التي سجل نجومها حالات تحول للنساء وإن ظل أنجحها أو أكثرها تماسكا ومنطقية دور الأم الذى لعبه الفنان علاء ولي الدين في فيلم «الناظر» للمخرج شريف عرفة، ليس لاعتماده على المنطق فحسب بل لنجاح علاء في الدخول بحنكة إلى عالم النساء وبالأخص تلك الفئة العمرية بتفهم ووعي كبيرين لطبيعة الدور والشخصية التي تحمل بنجاح عبء إيصالها.مرة ثانية نسأل: هل الماكياج الخارجي هو المحك أم أن النجاح مرهون بحجم التفاعل؟الماكيور محمد عشوب يرى أن البعض، ويا للأسف، يكتفي بالماكياج الخارجي في عملية التقمص، غير أن البعض قد يفلح في تجاوزه (وهذا الأهم والأجدى) إلى ما في داخله من تفاصيل إنسانية، ما يفسر نجاح نموذج دون آخر. لكن، على ما يؤكد عشوب، سيظل الفيصل الأهم المبرر الذي يتم التحول من أجله كي يقتنع الجمهور به.
توابل - سيما
كوميديا التحوّل الجنسي... لأيّ غاية وكيف؟
27-08-2007