Ad

ما حدث مع شاه إيران حدث مع ماركوس الفلبين الذي عامله الأميركيون كما يعامل الإنكليز خيولهم، فبعد أن راهنوا عليه في ميادين السباق طويلاً، وبعد أن استخدموه استخدامات مضنية كثيرة، لم يترددوا في إدارة ظهورهم إليه وفعلوا معه ما يفعله الانكليزي مع حصانه الذي لا يتردد في إطلاق النار عليه.

المشكلة مع الولايات المتحدة أن الثقة بينها وبين حلفائها في هذه المنطقة مفقودة ومعدومة، فالتجارب على مدى أكثر من نصف قرن مضى أثبتت أن الأميركيين لا عهد لهم ولا وعد، وأنهم يتخلون عن حلفائهم كما تخلى «الاسخريوطي» عن عيسى بن مريم، قبل أن يصيح الديك، إنهم «براغماتيون» لا هم لهم إلا تحقيق مصالحهم، وهم دائماً مستعدون للتخلي عن أعز الأصدقاء واحتضان ألد الأعداء من أجل هذه المصالح.

كان شاه إيران السابق أكبر حليف لهم في الشرق كله، وكان أقرب إليهم حتى من إسرائيل نفسها، وكانت إيران في عهده خندقاً متقدماً للولايات المتحدة وللمعسكر الغربي الرأسمالي، ضد الاتحاد السوفييتي، وكان محمد رضا بهلوي كرباجاً في يد واشنطن تهزه، كلما أرادت، في وجه المد القومي العربي وفي وجه حركة التحرر العربية والأنظمة المحسوبة على هذه الحركة، لقد كان طاووس الشرق الأوسط والسيف الأميركي البتار في هذه المنطقة.

وفجأة ما إن لاحت للأميركيين، وفق قراءة خاطئة، مصلحة في تبديل الأحصنة حتى تخلوا عن رجل حوَّل دولة استراتيجية عملاقة مُطلِّة على آبار النفط من جهة ومطلة من جهة أخرى على أفغانستان وقواعد الصواريخ الحمراء في الدول الإسلامية في الاتحاد السوفييتي، وتركوه يواجه مصيره وحيداً وأوصدوا أبواب بلادهم في وجهه عندما لجأ إليهم طالباً الحماية والإقامة. ولو أن أنور السادات لم يكن هو رئيس مصر في تلك الفترة لما وجد جسده بعد مماته قبراً في الكرة الأرضية.

ما حدث مع شاه إيران حدث مع ماركوس الفلبين الذي عامله الأميركيون كما يعامل الإنكليز خيولهم، فبعد أن راهنوا عليه في ميادين السباق طويلاً وبعد أن استخدموه استخدامات مضنية كثيرة لم يترددوا في إدارة ظهورهم إليه وفعلوا معه ما يفعله الانكليزي مع حصانه الذي لا يتردد في إطلاق النار عليه، بعد أن تتدنى إمكاناته وتصبح منفعته متواضعة ومعدومة.

لا يوجد مسؤول عربي واحد يراهن على أن الأميركيين سيذهبون معه حتى نهاية الشوط فالثقة معدومة تماماً، وما ينطبق على الأنظمة والحكام ينطبق أكثر منه بألف مرة على الشعوب، أي شعوب هذه المنطقة، التي تنظر الى حقيقة المواقف الأميركية من زاوية الصراع في الشرق الأوسط ومن زاوية أن حاكماً عربياً كان يعتبر إرهابياً ومارقاً وجرت محاولات قتله أكثر من مرة، لكن عندما خضع للإرادة الأميركية أصبح رمزاً للاعتدال ولم يعد يتهم بغياب الحريات العامة والديموقراطية.

.. الآن ورغم أن «ديموقراطيتهم» المُصدَّرة قد غرقت في أوحال ورمال العراق وتكشَّفت على حقيقتها كانقلاب عسكري دموي في غزة، فإن الأميركيين يواصلون محاولات بيع هذه البضاعة «الفاسدة»، وبالقوة، في أكثر من دولة عربية، ولذلك فإن هناك كل هذه الهجمة على مصر والمملكة العربية السعودية، وحتى على الكويت والأردن، حيث إن لم تكن في هاتين الدولتين ديموقراطية حسب المواصفات الأميركية فإن هناك على الأقل حرية صحافة وبرلمانين نشيطين وفاعلين وحريات عامة.

إن المثل، الذي لم يسمع به الأميركيون والذي إن هُمْ سمعوا به فإنهم لم يفهموه، يقول: «يداك أوكتا وفوك نفخ» فالولايات المتحدة بتصرفاتها وبسوء تعاملها مع أصدقائها وحلفائها، هي التي جعلت ليس هذه المنطقة وحدها التي تنقلب ضدها، بل العالم بأكمله، بما في ذلك أوروبا وروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي.