ذهبت تحليلات كثيرة، وجيهة الحجج، إلى ملاحظة تحول في الدور السوري من لاعب أساسي لا يمكن القفز فوق مصالحه، إلى مجرد حجر في رقعة الشطرنج، التي تحركها إيران في المنطقة. وهذا يجعل سورية البلد المرشح فعلاً لأن يتحول إلى ساحة في الآتي من الأيام. تشدد مصادر في فريق الموالاة اللبنانية على خلوص النية السورية في تعطيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وجر لبنان إلى حالة من الفراغ الدستوري والانقسام السياسي والأهلي قد يؤديان إلى تجدد حرب أهلية مدمرة. وعلى هذا الأساس تُلقى ظلال كثيفة من الشك حيال مبادرة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الأخيرة. من نافل القول إن وقائع العامين الماضيين شهدت تجاذباً على الأرض اللبنانية بين مشروعين فاعلين وهجوميين: الأول، مثلته الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من ورائها. والثاني، مثلته سورية بدعم واضح وصريح من إيران. والمشروعان كانا يملكان كل القدرات لشن هجومات متبادلة على الساحة اللبنانية. لكن الدم الذي سال والاقتصاد الذي تعطل والأرزاق التي قطعت، والاجتماع الذي تم تدمير أواصره كان لبنانياً قطعاً، ومن دون شك ومن كل الجهات. وفي وسع سورية أن تعتقد أنها سجلت نقاطاً على المشروع الأميركي في لبنان. لكن الخاسر الأكبر كان لبنان شعباً ودولة ونظاماً ومؤسسات. لم تخسر أميركا في لبنان، وهذا أمر يجدر بنا ملاحظته جيداً، لكن سورية لم تخسر أيضاً أوراقها كلها، وما زالت تملك من الأوراق السياسية والأمنية ما يؤهلها للعب طويلاً في الملعب اللبناني قبل أن تسلم أوراقها كافة. لكن مراقبة دقيقة للأحوال العاصفة التي مرت بلبنان طوال هذين العامين، تثبت من دون لبس أن الدور السوري في لبنان بات ضعيفاً إلى الحد الذي جعل ارتباطه الوثيق بالمشروع الإيراني في المنطقة واضحا لكل مبصر، وليس بالضرورة أن يكون بصيراً. بل وذهبت تحليلات كثيرة، وجيهة الحجج، إلى ملاحظة تحول في الدور السوري من لاعب أساسي لا يمكن القفز فوق مصالحه، إلى مجرد حجر في رقعة الشطرنج التي تحركها إيران في المنطقة. وهذا يجعل سورية البلد المرشح فعلاً لأن يتحول الى ساحة في الآتي من الأيام، في ظل الخلافات المستشرية بين المملكة العربية السعودية والنظام العربي من خلفها والنظام السوري، وفي ظل العزلة الدولية المتفاقمة التي تضرب سورية من كل جهة، وتجعل سياستها تبدو لغير المتعمقين في الأساليب السورية السياسية مجرد خبط عشواء لا تستقر على قرار.من جهة ثانية، يمكن القول إن الولايات المتحدة حققت إنجازات هائلة على امتداد المنطقة العربية، وليس من قبيل الحصافة أن يتلطى المرء وراء الإصبع السورية – الإيرانية التي تدعي فشلاً أميركياً ذريعاً في المنطقة، فيكف عن رؤية الغابة خلف الإصبع السورية – الإيرانية النحيلة. والحق أن التعثر الاميركي في العراق هو تعثر تكتيكي، ويمت بشديد الصلة إلى السجالات الأميركية الداخلية أكثر مما يمت بصلة إلى وقائع الأمور. ذلك أن الخاسر في هذه المواجهة بين إيران وسورية من جهة والولايات المتحدة الاميركية من جهة ثانية، هو العراق نفسه بطبيعة الحال، لكن الحاجة الخليجية خصوصاً والعربية عموماً إلى دعم أميركي في مواجهة تهديد إيراني باتت مع تفاقم الصراع على الأرض العراقية من البداهة التي لا تحتاج الى نقاش. لهذا لم تثر خطة التسلح الخليجية أي اعتراض يذكر في أي مكان من العالم العربي، بافتراض أن التسليح الأميركي انما يتم لمواجهة أعداء أميركا في المنطقة، وليس لمواجهة حلفائها. أما في فلسطين، ففي وسع الرئيس المقال اسماعيل هنية والسيد خالد مشعل أن يفخرا بإنجازاتهما الحربية في مواجهة عناصر «فتح»، لكن نتائج هذه المغامرة، المدعومة إيرانياً وسورياً، جعلت التعاون الإسرائيلي – الفلسطيني تحصيل حاصل، ولا يلقى أي اعتراض من أي كان سوى من أبواق «حماس»، وبعض الدعاية على الفضائية السورية. وفي لبنان وصل «حزب الله» بعد تحقيق نصره الإلهي إلى حال من العزلة اللبنانية لا سابق لها حيال طرف قاتل إسرائيل بهذه البسالة. الأمر الذي يجعل من احتمال التضامن اللبناني مع «حزب الله» في أي اعتداء إسرائيلي جديد على الأرض اللبنانية محط شكوك عميقة.الخلاصة، ان العراق، بكرده وعربه ولبنان بمسلميه ومسيحييه، وفلسطين وفصائل الثورة الفلسطينية على اختلاف مشاربها، باتت أميل إلى التحالف مع الأميركيين والإسرائيليين في مواجهة من يدعي قتالهما والصراع معهما. والنتيجة، أن مغامرات سورية وإيران في المنطقة رسخت الدور الأميركي وجعلته دوراً يحظى بشعبية تتعاظم يوماً بعد يوم. مع ذلك ما زال جنرالات «حزب الله» يعتقدون أن النصر آت لا ريب. *كاتب لبناني
مقالات
الدور السوري المضمحل
05-09-2007