قد يبدو من الصعب الدفاع عن مجلس الأمة الحالي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بموقفه من الحريات العامة، هذا المجلس الذي أتى نتيجة لتقسيم الدوائر (القديم)، الذي جرى استبداله العام الماضي بنظام «الدوائر الخمس» المؤمل أن تكون نتائجه أفضل. ولكن رغم ذلك، أليس من الظلم أن نحمّل مجلس الأمة كل مشكلات البلد إذا قام أعضاؤه بممارسة صلاحياتهم الدستورية، أو حصل خلاف في ما بينهم؟ أليس من الطبيعي في مجتمع ديموقراطي أن يكون هنالك خلاف، بل اختلاف حول السياسات العامة للدولة بين المجلس والحكومة؟، ومن الطبيعي أيضا أن يحصل في أحيان كثيرة تجاذبات واختلافات بين الكتل والقوى البرلمانية و الأعضاء أنفسهم، فالمصالح مختلفة وكل نائب أو قوى أو تكتل يمثلون مصالح اجتماعية واقتصادية وسياسية قد تتباين أحيانا.

Ad

ومن المسلم به أن يكون هنالك صراع سياسي يعبر عنه خلال الجلسة في شكل مواقف مختلفة، قد تكون حادة أحيانا، تجاه السياسات العامة المختلفة، ولكن في النهاية يكون الاحتكام للدستور واللائحة الداخلية للمجلس، بل قد يصل الأمر أحياناً إلى محاولة بعض الكتل أو الأعضاء أو حتى الحكومة «فركشة» الجلسة، أو عدم حضورها بشكل متعمد، أو الانسحاب منها، ويعتبر ذلك ضمن «التكتيكات» المعمول بها في الممارسة البرلمانية. والأمثلة أكثر من أن تحصى في جميع برلمانات العالم ( أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا، والهند، وروسيا، وجورجيا، ومصر، ولبنان، والبحرين ... إلخ ).

هل يمكن إذن اعتبار ما يحصل من ممارسات برلمانية في مجلس الأمة الكويتي خارجة عن سياق ما يحصل في جميع برلمانات العالم؟ وهل يتطلب الأمر التفكير في حل مجلس الأمة (دستوريا طبعا، لأنه لا يوجد هنالك حل غير دستوري)، أو التهديد بذلك بمجرد اختلاف الأعضاء في ما بينهم أو مع الحكومة؟ وهل يجب أن تكون هنالك أزمة في البلد، توصف أحيانا بالكبيرة، يتوقف أثناءها وبعدها كل شيء بمجرد إبداء أحد أعضاء البرلمان أو بعضهم النية لاستجواب أحد الوزراء؟ وهل يتسق ذلك مع ما يحصل في جميع برلمانات العالم؟ إذا كان الجواب بنعم، فلنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحل ببلد ديموقراطي عظيم كالمملكة المتحدة، الذي يجري استجوابا مصغرا لرئيس وزرائه كل أسبوع، أو ببلد عربي كبير كجمهورية مصر، إذ غالباً ما يكون هنالك استجواب لأحد الوزراء كل شهر تقريباً.

إن المجتمع الانساني الديموقراطي الحي، هو المجتمع الذي يتصارع أفراده وجماعاته فكرياً وسياسياً، ويختلفون سلمياً وديموقراطياً من أجل تقدمه، كما أن الإيمان الحقيقي بالديموقراطية والدستور يتطلب ضمن أمور أخرى كثيرة، الإيمان بحق الاختلاف وضمان حق الأقلية في التعبير عن رأيها داخل البرلمان وخارجه، فإذا كنا ننزعج من اختلاف الأعضاء في ما بينهم، أو من اختلاف بعضهم مع الحكومة وتفعيلهم لمواد الدستور من خلال استخدام صلاحياتهم الدستورية كالقيام باستجواب أحد الوزراء، الذي ليس بالضرورة أن يؤدي إلى طرح الثقة به، بل على العكس قد يكون فرصة مناسبة للوزير لشرح السياسة العامة للحكومة أمام ممثلي الشعب، وإذا كان أي خلاف أو استجواب دستوري، هو مشروع أزمة تتوقف معها حتى إشارات المرور وتكون مناسبة للطعن في الدستور والديموقراطية والمجلس، فأي ديموقراطية تلك التي نتباهى إعلاميا بأننا ننتهج ؟ وأي دستور ذلك الذي ندّعي، إعلامياً أيضا، تمسكنا به؟