Ad

في الدول المتقدمة يتم اختيار النخب وأصحاب الشهادات والمتميزين ليعملوا في أجهزة المخابرات والمباحث بعكس الجيش والشرطة اللذين يتم الاعتماد فيهما على المعدل العام للناس نظرا لكثرة المنتسبين إليهما. من هنا يجب على المجلس القادم أن يفتح ملف المباحث وأمن الدولة على مصراعيه، لنعرف على أي أساس يتم التوظيف فيهما؟

أدرك أن ما يشغل الساحة الكويتية في هذه الأيام هو حل المجلس والانتخابات القادمة في ظل التوزيع الجديد للدوائر، وأدرك أن بوصلة أغلب الكتاب متجهة إلى هذا الاستحقاق التاريخي المهم، لكن خلال الأيام الماضية حدثت واقعة خطيرة مرت مرور الكرام في ظل هذا الصخب الإعلامي. وأتحدث هنا تحديداً عن انتحار أحد الأشخاص البدون بعد قيامه بسرقة دورية مرور، والتعامل اللاإنساني والفج من قبل رجال أمن الدولة والمباحث لأسرة هذا الشخص، وهو التعامل الذي ساهم في انتحاره.

تقول أخت المنتحر في جريدة «القبس» بتاريخ 19/3 إنه تم احتجازها وهي تعاني مرض الفشل الكلوي إضافة إلى أخيها الذي يعاني مرض السرطان ووالديها المسنين ثلاثة أيام في المخفر بحجة أن أخاها سرق دورية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أسمعوهم أبشع الألفاظ واعتدوا على والدها بالضرب، ورفضوا أن يطلقوا سراحهم إلى أن يسلم أخوها (خالد) نفسه! وتقول الأخت إنه عندما اتصل خالد وهدد بالانتحار أجابه رجال المباحث بقولهم: «موت، أمك وأختك عندنا»! وفي النهاية تقول الأخت إنه عندما أطلق سراحهم في الصباح قيل لهم «خالد انتحر، وما أبي أسمع صوتكم، روحوا استلموه من الأدلة الجنائية» لتنهار الأخت والأم من جراء هذه المأساة المروعة.

إلى الآن لم يصدر أي نفي أو توضيح من قبل وزارة الداخلية لهذه الرواية. وهنا أتساءل كإنسان قبل أن أكون مواطنا وأضع هذا السؤال برسم الحكومة «غير الرشيدة»: هل هناك أي عرف قانوني أو أخلاقي يسمح باحتجاز أهالي المتهمين كرهائن ومعاملتهم وكأنهم حيوانات؟ وهل تسقط كل القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية لأن هؤلاء المساكين «بدون» لا ظهر لهم ولا نواب يطالبون بحقهم؟! ليس عندي أدنى شك بأن ما دفع المنتحر إلى الهرب والانتحار هو أنه يعرف تماما نوعية المعاملة التي كان سيلقاها إذا قام بتسليم نفسه. كما أعتقد أن احتجاز أهله كرهائن ساهم بشعور المنتحر بالإهانة والذنب لما حصل لهم، فلم يتحمل ذلك وقام بالانتحار. ألم يكن من الحكمة أن تتم تهدئة المنتحر ومحاولة إقناعه بتسليم نفسه مع ضمان معاملته معاملة مسؤولة وتحذيره من الانتحار الذي لا يرضي رب العباد بدلا من مخاطبته بهذا الأسلوب اللامسؤول؟

لكن يبدو أن هذه الحادثة ليست شذوذاً عن القاعدة، فهناك سلسلة من الأحداث تدعونا إلى النظر بجد إلى هذه المؤسسة. ففي السابق تم الاعتداء على عدد من الصحافيين وكان آخرهم الزميلين بشار الصايغ وجاسم القامس، وهي الحادثة التي تحدث عنها النواب لأسبوعين ثم نسوها من دون أي توضيحات من وزير الداخلية آنذاك. ثم تأتي قضية التأبين لنكتشف أن هذا الجهاز لايزال يحاول إعادة ترتيب اتهامات ملفقة تتعلق بتهديد نظام الحكم وتساق هذه الاتهامات الظالمة بحق الشرفاء في هذا الوطن. ثم تأتي هذه القضية التي أعتقد أن هناك حوادث مشابهة لها والخافي أعظم، خاصة عندما تتعلق القضايا بأناس مستضعفين لا ظهر لهم مثل البدون وبعض الجنسيات المقيمة.

في الدول المتقدمة يتم اختيار النخب وأصحاب الشهادات والمتميزين ليعملوا في أجهزة المخابرات والمباحث بعكس الجيش والشرطة اللذين يتم الاعتماد فيهما على المعدل العام للناس نظرا لكثرة المنتسبين إليهما. من هنا يجب على المجلس القادم أن يفتح ملف المباحث وأمن الدولة على مصراعيه، لنعرف على أي أساس يتم التوظيف فيهما؟ وما الثقافة التي يتم غرسها في عقول منتسبيها والتي أدت إلى جميع الأحداث السابقة؟ كما يجب تشكيل لجنة تحقيق بكل الأحداث المؤسفة التي جرت في هذا الجهاز، ولا خير فينا إن لم نطالب بذلك إحقاقا للحق ونصرة للذين لا صوت لهم.