يكرهوننا بالطبع لأنّهم إمبرياليون ولديهم دوائر صهيونية ذات نفوذ، بل لأن بعضهم عنصريون أيضاً. ولكن هذا غير كافٍ أبداً في ذلك العالم للتفسير، وينمّ عن كسلٍ مقيم. يتساءل الأميركيون منذ زمن، وخصوصاً منذ الحادي عشر من سبتمبر الذي دخل التاريخ بصخب مشهود، لماذا يكرهوننا؟ وقد يعنون المسلمين عموماً، أو العرب خصوصاً. ولقد دخل أسامة بن لادن على هذا الخط بإيقاعات مدويّة في رسالته الأخيرة، وحرّك الجوانب الأكثر سوءاً وعنصرية في النقاشات والمقالات والافتتاحيات الصحفية «هناك»، من خلال طرحه خيارين لا ثالث لهما على الأميركيين: الإسلام أو القتال حتى الموت!لماذا نكرههم؟ يقول باحثوهم الأكثر تطرّفاً واستسهالاً، إنّ المشكلة في الإسلام نفسه، الذي يكره الآخر ويعتقد بالعنف ضدّه. ويكتفي خصوم هؤلاء بتبيان تسامح الإسلام واعتداله وميله إلى التعامل الإيجابي مع الآخر... نفسه.وهنالك آخرون أكثر اتّزاناً، يبحثون عن أسباب الكراهية باستخدام التحليل التاريخي الاجتماعي السياسي. تحدّث الكاتب الأميركي فريد زكريا في عام 2001، عن «الحاكم» و«فشل مشاريع التحديث» اللذين أوصلا المجتمعات العربية إلى فراغ لم يكن هنالك شيء قادر على سدّه إلاّ «الحلّ الديني». كما قال إن هنالك انفجاراً سكانياً وحالة شباب مسدود الأفق قد سبقا ثورة 1989 في فرنسا، وانفجاراً مثله قد سبق الفورة الإسلامية المعاصرة، وما زال. ثمّ ينصح الساسة الأميركيين بالتفتيش عن سياسات أفضل في الشرق الأوسط، ليس للأسباب البراغماتية وحدها، بل على أساس منطق الحق والحقوق.هذا جيد على أي حال، ومتقدّم جداً!لعلّنا ننفعهم قليلاً، إن أشرنا إلى الاستبداد أولاً، كسبب لانعدام السياسة في مجمعاتنا من حيث هي خيار واهتمام وفعل بالشأن العام، لا يمكن من دونه أن يشعر الفرد بانتمائه العضوي إلى العالم. وكذلك من حيث أن السياسة هي فعل سلطة ومعارضة وتداول وتعدّد وأحكام قانون سائد على الجميع أفقياً وشاقولياً، وليست مجرّد فعل وانفعال ما بين سلطة في الأعالي، وبشر في السفوح والوديان.ولذلك هنالك تفسيران لكراهيتنا لهم لا يجري البحث فيهما كما ينبغي:أولّهما، هو ما تحمله الولايات المتحدة الأميركية، وبعده الاتحاد السوفييتي في زمانه، ثم بقية الغرب أراد أم لم يُرد، من وزر سياستها المرسومة بعد الحرب العظمي الأخيرة وبعدها قيام إسرائيل، والتي بنتها على رأي حاسم بأن منطقتنا تستطيع الحفاظ على استقرارها واستقرار جريان النفط وسلاسة تكريس أمن إسرائيل وتفوقها، من طريق الاعتماد على أنظمة استبدادية «قوية» مونارشية أو وطنية ناشئة، قادرة على فرض الهدوء الغامر والقابل للتحكّم.والآخر، هو خطاب هذه الأنظمة وأجهزتها المختلفة الطبيعة ما بين مكان ومكان، إذ ظلّ يردّد صباح مساء على رعاياه سنين طويلة نشأنا أو نشأت أغلبيتنا على إيقاعها وكلماتها المتكررة عن الإمبريالية أو الكافر الأميركي، الذي يشمل إسرائيل برعايته أو تشمله برعايتها. نحن لم نسمع ولم نرَ ولم نشمّ إلاّ كراهية أميركا. وهذا لا يعني أننا لم نكن قادرين على كراهيتها وحدنا، لكن ربما كان الأمر سيبدو عندئذٍ مختلفاً. من سافر أولاً، ومن قرأ أولاً، كان أكثر قدرة على الرؤية، وعلى «الكراهية» بطريقة متقدّمة ومعرفية وموضوعية. أكثرنا لم يتمتّع بهذه الميزات. لذلك نحن نكرههم، لأننا كنّا في غرفة جرداء طويلاً، نسمع لحناً رتيباً واحداً، يرقص السادة خارجها على غيره.الأمر الآخر المقابل، والذي آن الأوان لطرقه من الأبواب الأكثر انفتاحاً واتّساعاً، هو لماذا يكرهوننا، نحن المسلمين عموماً، إن أراد بعضهم، والعرب إن أردنا التخصيص والتدقيق معاً.يكرهوننا بالطبع لأنّهم إمبرياليون ولديهم دوائر صهيونية ذات نفوذ، بل لأن بعضهم عنصريون أيضاً. ولكن هذا غير كافٍ أبداً في ذلك العالم للتفسير، وينمّ عن كسلٍ مقيم.هذا الكسل مدخل للحديث في أحد أسباب نظرتهم إلينا، وهو ضعف قيمة العمل، وهي معيار مهم في تركيب رؤيتهم. فكم من العرب يعمل ساعاتٍ ثمانية بكفاءة وإخلاص ودقة؟ هم يفعلون، والأمر مفروغ منه. لدينا من ذلك النوع عدد يتكاثر، ولكنه ليس الظاهرة الغالبة على الصورة. تنسحب هذه النقطة على الهمة والاهتمام فالإرادة أيضاً.علاقتنا مع الزمان والمكان غير مفهومة بشكل عام، فلا يوجد إلا الحدّ الأدنى الكافي لمتابعة الوجود من إدارة الوقت، و الحدّ الأدنى من «الكونية» في التعامل مع العالم، بكليّته أو بنسبيّته.الأيديولوجيا -بكلّ أنواعها- كادت وتكاد تخنقنا. ولطالما أمسكنا بتلابيب أجنبي مسكين من لويزيانا لنقنعه بحقنا في فلسطين، أو بخطئهم في الحروب الصليبية، أو عن أفضلية الإسلام عن غيره.طريق المعرفة والثقافة والاتّصال تملؤه الحواجز. وشعبنا لا يستطيع تجاوزها إلا بالهجرة، وقيم الحريّة والتسامح غير مطروحة إلاّ بالمعاني المجردة الهائمة التي لا تعترف بالفرد وحقوقه ومواطنيّته.ثمّ يأتي حديث التخيير بين الفسطاطين... وهو طويل * كاتب سوري
مقالات
لماذا نكرههم؟...لماذا يكرهوننا؟!
18-09-2007