تفشي مقولة إن «الديموقراطية سبب مشاكلنا»، ينبع من خلط غير مبرر للأوراق كما انه خلط بين القيم التي يهدف أي نظام ديموقراطي إلى ترسيخها، وبين الممارسات الخاطئة والبعيدة كل البعد عن تلك القيم، وهو ما يقود إلى تبني البعض لفكرة إلغاء الديموقراطية.

Ad

من الملاحظ في الآونة الأخيرة تزايد أعداد المتذمرين من الممارسات الديموقراطية الخاطئة ومن الأداء السلبي لبعض نواب مجلس الأمة... التذمر في السابق كان محصوراً على بعض رموز الفساد في السلطة التنفيذية والمقربين منهم، وهذا أمر متوقع، إلا أن غير المتوقع هو تعالي أصوات فئات أخرى من الشعب، ومنها على الأخص الفئات الشابة المتعلمة والطموحة، معبرة عن استيائها من الوضع السياسي المتردي وقلقها من انعكاساته السلبية على مجمل نواحي الحياة. وبما أن أصابع الاتهام غالباً ما توجه إلى مجلس الأمة، لا يتوانى الكثير من هؤلاء عن المطالبة بإقفال مجلس الأمة «بالشمع الأحمر».

أتردد كثيراً في وصف هؤلاء بأعداء الديموقراطية، كما يحلو للبعض تسمية كل من يعبر عن امتعاضه لوجود المؤسسات الديموقراطية في هذا البلد، فهذا الاستياء له مبرراته، المنطقية أحياناً، حيث أصبح البرلمان وجهة لأصحاب المصالح أياً كان نوعها أو حجمها، مما ترتب على ذلك من سوء الأداء البرلماني وضعف الرقابة، والأهم من ذلك هو تفشي ظاهرة التعدي الصريح من قبل بعض رواد البرلمان على حريات وكرامة المواطنين... وهو أمر غير مقبول.

لن يسعنا المجال هنا لاستعراض مجمل النتائج السلبية للأداء البرلماني، ولكن ما يهمنا في هذا الصدد هو طرح التساؤل التالي: هل يكمن الحل في إلغاء التجربة البرلمانية برمتها؟ قد لا يتردد البعض في الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب، فالإحباط دفع بهؤلاء إلى تبني المقولة: «إن الديموقراطية سبب مشاكلنا».

لو كانت الديموقراطية سبب مشاكلنا لكان الحل بسيطاً: نتخلص من المؤسسات الديموقراطية وتنتهي مشاكلنا، هل هذا أمر معقول؟

في اعتقادي أن تفشي مثل هذه المقولة ينبع من خلط غير مبرر للأوراق، كما أنه خلط بين القيم التي يهدف أي نظام ديموقراطي إلى ترسيخها ودعمها وبين الممارسات الخاطئة والبعيدة كل البعد عن تلك القيم، هذا الخلط غير المبرر بين الفكرة النظرية وتطبيقاتها على أرض الواقع يبعدنا كل البعد عن التشخيص السليم لمشاكلنا الراهنة، ومثال على ذلك هو تبني البعض لفكرة إلغاء الديموقراطية.

من المسؤول اذاً عن تردي أوضاعنا الراهنة؟ هل هم أشخاص؟ هل هي ممارسات معينة، أم أفكارا وقيم معينة؟

هل أصبحت الديموقراطية بالفعل شراً لابد منه؟ هذه التساؤلات، وغيرها الكثير سوف تكون موضوعاً لكتاباتنا اللاحقة، لعلنا نسهم ولو بشكل مبسط في إعادة التشخيص.

نهنئ جميع العاملين في «الجريدة» على صدور الطبعات الأولى من هذه الصحيفة، ونأمل أن تكون «الجريدة» كما هي الديموقراطية، شراً لابد منه، ومنبراً للأقلام الحرة.