يسيطر «جيش المهدي» على الأسواق ومحطات الوقود وولاء الكثير من السكان في غرب بغداد. لكن الوضع كان مختلفا في الأحياء الغربية قبل زمن قصير، ويقدر الجنود الأميركيون أنه قبل عام، كان السنة يشكلون 80% من السكان هناك والشيعة20%.

Ad

كانت الأنوار مضاءة في بغداد، ثمة خطب ما.

في وقت متأخر بعد منتصف الليل الأسبوع الماضي، كانت فصيلتان تتسللان في حي العميل الجنوبي غربي. فأطفأ الجنود الأضواء ووضعوا على أعينهم نظرات الرؤية الليلية. وراحوا يقودون آلياتهم العسكرية في الشوارع الضيقة وينعطفون بسرعة كي يفاجئوا من يتربص بهم. عندما اقتربوا من منازل قادة الميليشيات المشتبه فيهم، استعدوا للقتال. لكن أنوار المنازل والشوارع بددت عتمة الليل وكشفت غطاءهم. هذه الأحياء تكون عادة معتمة ولا سيما في الثالثة صباحاً، في هذه المدينة التي تفتقر إلى الطاقة.

إلا أن قائد السرية التي قامت بالمداهمة، النقيب شون ليونز، قال إنه يعرف السبب. وأخبر: «تخضع كامل هذه المنطقة هنا لجيش المهدي (الميليشيا الشيعية التي يترأسها الزعيم الديني المتشدد مقتدى الصدر). فهم يتحكمون في توزيع الطاقة».

في قطاع الرشيد الغربي الذي تبلغ مساحته 10 أميال مربعة، يسيطر «جيش المهدي» ايضا على سوق المساكن ومحطات الوقود وولاء الكثير من السكان، حسبما قال جنود فرقة المشاة الأولى التابع الى الكتيبة الأولى في فوج المشاة الثامن والعشرين. تتبع هذه الميليشيا تنظيما شبيها بتنظيم الجنود الأميركيين. فقادة الألوية والكتائب يترأسون فيالق من جنود المشاة. ويستطيع هؤلاء المقاتلون مهاجمة الاميركيين بأسلحة خارقة للدروع، وأسلحة هاون وأسلحة رشاشة وقنابل يدوية. في الوقت نفسه، يلعب الجناح السياسي لحركة الصدر دورا كبيرا في الحكومة الوطنية.

ويدحض قطاع الرشيد الغربي الرواية التي يكررها كبار المسؤولين العسكريين الاميركيين أن التنظيم السني المتمرد، «القاعدة في العراق»، هو أكبر القوى في المدينة وأكثرها تدميرا. صحيح أن هذا التنظيم كان ناشطا في المنطقة، ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية، بدّل «جيش المهدي» تركيبة أحياء هذه المنطقة، إذ عمد إلى قتل السنة بوحشية وطردهم من بيوتهم وحرمان من تبقى منهم من الخدمات الأساسية. ويصف الجنرال ديفيد بتراوس، كبير القادة العسكريين الأميركيين في العراق، هذه المنطقة بأنها «إحدى المناطق الثلاث أو الأربع الأكثر تحديا في كل بغداد».

تتركز السيطرة الشيعية في مناطق شرق بغداد، مثل مدينة الصدر، في حين أن مناطق غرب نهر دجلة وجنوب مطار بغداد تضم تكتلات سنية كبيرة. لكن الوضع كان مختلفا في الأحياء الغربية قبل زمن قصير. ويقدر الجنود الأميركيون أنه قبل عام، كان السنة يشكلون 80%من السكان هناك والشيعة20%. لكن هذه الارقام تبدلت، بعد محاولة تطهير المنطقة من السنة، حسبما أوضح المسؤولون الأميركيون. والكتابات المدونة على الجدران في شوارع تلك الأحياء تعلن هذا النظام الجديد. وتقول إحدى العبارات، مشيرة إلى مدينة الشيعة المقدسة في جنوبي العراق وأحد أهم الأيام الدينية الشيعية: «كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء».

علاوة على ذلك، فإن الاعتداءات السافرة على الجنود الأميركيين تبدو كأنها تشكك في فكرة أن «جيش المهدي» يتجنب المواجهات مع الأميركيين. فقد وقعت أخيرا معارك في الشوارع بين «جيش المهدي» والقوات الأميركية في أماكن أخرى من العاصمة، مثل المناوشات التي وقعت في حي العميل يوم الخميس، حين استُدعيت مرواحية قتالية من نوع «أباتشي» لردع المقاتلين ووقف إطلاق النار والقذائف الصاروخية على الجنود الأميركيين. في اليوم التالي، قتل الجنود الأميركيون ستة رجال شرطة عراقيين، خلال مداهمة اسفرت عن اعتقال مقدم في الشرطة يُعتقد انه يعمل مع الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران.

يضم قطاع الرشيد الغربي أحياء العميل والبياع والجهاد التي يسكنها نحو سبعمئة ألف شخص. ويتحدث الجنود الأميركيون الذين يشرفون على هذا القطاع عن عدو شيعي حسن التنظيم والتمويل يحكم بقبضة من حديد ويوزع غنائم الحرب على سكان المنطقة الفقراء.

في الأشهر الماضية، ذكر القادة العسكريون الأميركيون أن «جيش المهدي» تحول إلى ميليشيا ضعيفة الروابط، كما أن مختلف فصائلها لا تلتزم تماما بأوامر قائدها الصدر.

يعزو القادة العسكريون الأميركيون الكثير من العنف الحالي إلى ما يدعونه اليوم «فرقا خاصة» أو «خلايا سرية» تضم أفراد ميليشيات تدعمها إيران. ويُعتقد أن هؤلاء يعملون بشكل مستقل أو حتى معاد للصدر وأتباعه. لكن القادة العسكريين يقولون إن رجال الميليشيات، الذين يتصرفون كقوات ضغط إجرامية ويسعون وراء المكاسب، وربما أيضا أتباع الصدر الأقل تشددا، يشكلون تحديا كبيرا للجنود الذين وصلوا إلى العاصمة في مارس كجزء من خطة الرئيس الأميركي جورج بوش.

ويقول النقيب مسؤول الاستخبارات في الكتيبة جاي وينك «نخوض هنا معركة مختلفة عما يحدث في سائر أنحاء بغداد. والسبب هو «جيش المهدي». فكل من يعيشون هناك مرتبطون به بطريقة من الطرق».

 حكم جيش المهدي

 أرادت الكتيبة أن تحول دون القضاء على كل السكان السنة، فأطلقت سلسلة من المداهمات للقبض على زعماء «جيش المهدي». وبما أن أتباع الصدر يهيمنون على وزارة الصحة ويمكنهم دخول معظم مستشفيات بغداد، يخطط الأميركيون لفتح مستوصف للسنة في حي الفرات. كما يعملون على برنامج يقضي بأن يوزع صهريج متجول الوقود على السنة، الذين يمنع عليهم دخول محطات الوقود في المنطقة.

وأشار قائد الكتيبة المقدم باتريك فرانك، خلال جولته في الأحياء، إلى الموظفين العراقيين الذين استخدمهم الجيش الأميركي أخيرا كي يرفعوا النفايات ويبنوا الأسياج ويؤمنوا المولدات الكهربائية ويصلحوا الإمدادات الصحية. وقد خصص 74 مليون دولار لهذه الأعمال في المنطقة التي يشرف عليها لواء المشاة الرابع.

وقال فرانك «يجب أن نقف إلى جانب شركائنا في التحالف. فنشمل الشعب في هذه القضية ونحاول ان نحقق تقدما على صعيد الخدمات الأساسية والمشاريع المهمة». وأضاف «نعلم أن بإمكاننا أن نتخذ إجراءات مباشرة من الآن حتى نعود «إلى القاعدة في فورت رايلي في كنساس»، لكن هذا ليس السبيل إلى النصر الدائم».

في الأحياء التي تسكنها أغلبية شيعية، وخصوصاً العميل والبياع، يضطلع «جيش المهدي» بدور الحكومة المحلية، حسبما يخبر الجنود الأميركيون. ففي شوارع قطاع الرشيد الغربي، يسيطر أتباع الصدر على الخدمات الأساسية، وغالبا ما يسيء ذلك إلى السكان السنة.

«غالبا ما يقصيهم جيش المهدي عن السلطة، إذا جاز التعبير»، قال النقيب تشارلز ترنر الذي يشرف على مشاريع إعادة البناء في هذه الكتيبة. وأضاف: «تتنقل في الشوارع، فترى أن هذه الناحية مضاءة وتلك مظلمة. يسعني أن أقول مما رأيت أن الوضع يشبه ما لدى طوني سوبرانو: «أنا أفوقكم عددا. إذاً سأتصرف كما يحلو لي».

ولفت ترنر الى أنه في بعض الأحياء التي تسيطر عليها الميليشيات: «المنعطفات مطلية والشوارع نظيفة. كما يعملون على مشاريع تجميل المنطقة. ولا شك في أننا كنا سنعتبر هذه الخطوات أمرا حسنا، لكنها ليست كذلك».

كي يمول رجال الميليشيات الشيعة عملياتهم هذه، يديرون نشاطات معقدة تشمل مجموعات لسرقة السيارات وتهريب الأسلحة والخطف والاستيلاء على المؤسسات المحلية، وفق ما يقوله الجنود الأميركيون. أما أحد نشاطاتهم التي تعود عليهم بالمال الوفير فتقضي بطرد السنة من منازلهم وتأجير هذه المنازل وأثاثها وسيارتهم إلى العائلات الشيعة بأسعار مخفضة. فقد اشتكت أخيرا إحدى السيدات السنة في حي الجهاد إلى الجنود الأميركيين من أن رجال الميليشيات الشيعة أرغموها على مغادرة منزلها واستخدم باحته ليطلق مدافع هاون من عيار 120 مليمترا.

فضلاً عن ذلك، يعتقد الجنود أن «جيش المهدي» يسيطر على محطات الوقود. ويتقاضى من زبائنه الشيعة المفضلين تعريفة محددة بغض النظر عن كمية الوقود التي يشترونها، في حين يرفض أن يتعامل مع السنة. لذلك تشمل مشاريع الجيش العراقي في المنطقة مراقبة محطات الوقود للحؤول دون هذا النوع من التمييز والفساد، حتى انه يعمد في بعض الحالات إلى إقفال المحطات بشكل موقت.

وذكر فرانك أنه «من بين كل الأعمال، هذه هي دجاجتهم التي تبيض لهم ذهبا. نعرف من مصادرنا أن جيش المهدي مستاء جدا من المراقبة الشديدة التي نفرضها على محطات الوقود. وهذا منطقي، لأننا بذلك نقطع عنهم تدفق الأموال».

يقدّم الجنود الأميركيون مكافآت للسكان الذين يخبرونهم عن مخازن الأسلحة وغيرها من النشاطات الإجرامية. لكن «جيش المهدي» يقدم لهم دعما أكبر. وعلى الأرجح، سيبقى تأثيره كبيرا حتى بعد رحيل الأميركيين.

ويوضح ضابط الاستخبارات وينك، «يصعب علينا التغلب على أمر مماثل. نحن نحاول منذ وصلنا إلى هنا. لكننا نحن لا نوزع المنازل، في حين أن جيش المهدي يقدم المنازل للناس. لمن يكون ولاؤك؟ لشخص منحك لتوه منزلا أم للجنود الأميركيين الذين يقولون لك إنك يجب ألا تتبع المتمردين؟».

 «ما عاد هنالك أناس ليقتلوهم»

 يُعتبر القتال هنا صعبا للغاية مع انتشار جواسيس الميليشيا في كل مكان. أما أعمال العنف التي يراقبها الجنود الأميركيون من إطلاق النار والهاون والقذائف الصاروخية إلى التفجيرات فقد ارتفعت وانخفضت في هذه المنطقة خلال الأشهر الأربعة الماضية من دون أن تتبع نمطا واضحا.

فقد ارتفعت المتفجرات على جوانب الطرقات من 25 في مارس إلى 51 في أبريل. ثم انخفضت إلى 49 في مايو و32 في يونيو.

أما الاعتداءات بالأسلحة الرشاشة فقد بلغت 84 في مارس و125 في أبريل و113 في مايو و132 في يونيو. لكن عمليات القتل الطائفي في يونيو فانخفضت إلى أدنى مستوياتها خلال الأشهر الأربعة الماضية. إلا أن هذا التدني في أعمال العنف في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة ليس بالضرورة مشجعا، حسبما ذكر وينك الذي علق «الآن بعد رحيل السنة، انخفضت جرائم القتل. فما عاد هنالك أناس ليقتلوهم».

في شوارع هذه المدينة التي أضعفتها الحرب، هذه الشوارع المعبدة أو الترابية أو الغارقة في بحيرة من مياه الصرف الصحي، يرى الأميركيون أن هؤلاء المقاتلين وواضعي المتفجرات لا يكلون ولا يتعبون. فثمة مناطق في هذه الأحياء لا تدخلها الآليات العسكرية الأميركية إلا خلال المداهمات وعادة تحت جنح الظلام. يتجنب الجنود سلوك الطرقات الرئيسية ويتفحصون الأزقة الترابية كي يتفادوا المتفجرات التي تطلق كتلا نحاسية حارة قادرة على اختراق المدرعات.

يوم الاثنين الماضي، توقفوا أمام بوابة إحدى المدارس بعد أن تلقوا معلومات أن أحدا أطلق صواريخ من باحة المدرسة، مستخدما الأولاد كغطاء، كي لا يرد عليه الأميركيون النار. ذكر قائد اللواء، العقيد ريكي غيبس، في وقت لاحق أن صبره حيال هذه الحيل قد نفد. وقال: «إذا استمروا في إطلاق النار علينا، فسأرد عليهم ذات يوم وأسوي الحي بالأرض».

عندما قفز جنوده فوق الحائط الإسمنتي في ذلك اليوم، لم يجدوا شيئا سوى نوافذ مكسورة وصفوف فارغة وعدد من الناس متقوقعين خلف الأبواب الموصدة. يمكن أن تولد مناورات الميليشيات، هذه، الشك وانعدام الثقة، وهو شعور يصعب تخطيه في مهمة هدفها كسب ثقة وولاء العراقيين.

ويقول ليونز، قائد السرية، «تقضي إحدى حيلهم بأن يقوموا بتأليف عائلة. لا نملك أدنى فكرة إن كانت هذه المرأة وهؤلاء الأولاد عائلته الحقيقية. فهم يستخدمونهم كغطاء طيلة الوقت. فإذا رأيت رجالا يمرون حاملين أولادا أو ممسكين بيدهم، فيكون هذا عادة مؤشرا إلى أنهم يخططون لأمر سيئ. هذا مؤسف حقا!».