قال الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنّهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم. وبوسعكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه ولا حتى في أحلامكم. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأنّ الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس...»

Ad

يبدو بعض الأطفال أقوى وأكثر تسلّحاً من غيرهم بسبب بعض الضعف الجيني، فثمة أطباع أكثر نشاطاً من غيرها. الأطفال السريعو الغضب يميلون إلى السيطرة، أما القلقون فيميلون إلى الإبداع، وعلى الأهل أن يأخذوا ذلك كلّه في الاعتبار. فمهما كانت أطباع طفلهم فهو في حاجة إلى وساطة تربوية. الطريقة المثلى التي ينصح الاختصاصيون باتباعها هي مساعدة الطفل على إيجاد حلّ وسطي بحيث لا يكون عدوانياً ولا كثير الانصياع.

هل ينجب الأهل العصاميون أولاداً عصاميين أيضاً؟ لا يمكننا التمادي والجزم على هذا النحو، فرغم أنّ للطفل قدوةً إلا أنّه سيختبر الحياة بنفسه وسيقرر كيفية عيشها. بيد أنّ تصرفات أهله وتفاعلهم معه مسألة ضرورية لبناء شخصيته.

إكتساب

إنّ المصدر الأساسي لقوة الطفل يكمن في العادات التي اكتسبها في عائلته. فالأمر أشبه برسم نمط حياة يومي للطفل يتصرف بوحيه لا شعورياً. حين لا تمدّه المدرسة أو العائلة بالعادات وأنماط التصرّف المناسبة، سوف يقول الولد لاحقاً: «لم أعتد التصرّف على هذا النحو...» أما الكبار الذين أصبحوا عمالاً نشيطين فهم الأولاد الذين اكتسبوا منذ الصغر عادة العمل كلّ مساء.

لا شكّ في أنّ ما يجعل الولد ضعيفاً هو متطلّبات الوالدين الكثيرة، فالولد لا يمكنه البتة أن يتحمّل بين ليلة وضحاها الضغوط النفسية التي لم يختبرها يوماً. ولتقوية الطفل على الأهل أن يجعلوه يختبر الواقع ويعيش بعض الضغوط الحياتية الصغيرة.

فضلاً عن ذلك، يمكن للأهل مساعدة طفلهم القلق ببعض التحديات اليومية كأن يطلبوا منه أن يتلو على مسامعهم بعد العشاء بعض أبيات الشعر. عقب التوتّر والقلق سيعتاد التصرّف في حالات مماثلة وسيقول له عقله الباطني: «ليس الأمر ممتعاً إلا أنّه ليس سيئاً إلى هذا الحدّ». سيخفّ بالتالي الضغط النفسي الذي يشعر به الطفل وسيتمكّن من تخطي حالات الفشل التي قد تواجهه. كلما اختبر الطفل شيئاً جديداً يضمه عقله الباطني إلى سلسلة المشاعر الأخرى ويرسم نمطاً سلوكياً وفكرياً ملائماً له. من هنا فإنّ النصائح والارشادات التي يقدّمها الأهل إلى أولادهم لا تكفي وحدها ما لم يختبر الأولاد الحياة بأنفسهم، فسيبقون دائماً في حاجة إلى وساطة سلوكية فعلية.

عمل وتمرين

يساهم غياب الضغط النفسي والقلق لدى الأطفال في إضعافهم ونعني بذلك الإفراط في تقدير الطفل والإفراط في حمايته. كلّها عوامل تضعف شخصية الطفل وتجعله ضعيفاً في مواجهة صعوبات الحياة.

في المقابل، إنّ طفلاً معتداً جداً بنفسه لا يكترث أبداً بالآخرين إذ يعتبر نفسه الأقوى. بعض الأطفال يولدون موهوبين. من هنا على الأهل أن يأخذوا في الحساب أنّه لا يمكن صقل مواهب أولادهم إلا بالعمل والتمرين. أن نقول للطفل إنّه يجيد نشاطاً ما من دون أن نطلب إليه أن يتمرّن، سيدفعه إلى الاعتقاد أنّه موهوب بالفطرة وليس في حاجة لصقل موهبته. تكمن قوة الطفل النفسية في احتماله بعض الضغوط ومعرفته ما يريد ومحاولة تحقيقه، آخذاً في الحساب مشاعر الآخرين وآراءهم.

لا يمكننا أن نحضن أطفالنا ونربيهم في قوقعة بعيدة عن مشاكل الحياة وهمومها لأنّ ذلك سيجعلهم أكثر ضعفاً وعرضةً للفشل والتعثر. الحياة ليست دوماً محفوفةٌ بالأشواك والعثرات إنما لا يخلو الأمر منها أحياناً. لكي نجعل أطفالنا أقوى يجب أن نراهم يسقطون بين وقت وآخر ليدركوا منذ نعومة أظافرهم أنّهم لن يعرفوا معنى النجاح ما لم يختبروا الفشل.