أثارت المشاركة السورية الجدل في مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير. فقد تمثلت بفلمَين: «خارج التغطية» للمخرج المخضرم عبد اللطيف عبد الحميد و «الهوية» للمخرج غسان شميط جسّد فيلم «خارج التغطية» علاقات إنسانية معقدة، وصوّر نفسيات مضطربة. أولها علاقة صديقين هما «عامر» و»زهير». يُسجن الأخير عشر سنوات ظلماً ويهتم الأول برعاية زوجة صديقه الغائب وطفلتها، إلا أنه سرعان ما يجد نفسه منجذباً إليها باستمرار وهي كذلك، فيعزف عن زوجته فيما لا تكف هي عن ملاحقته وعن الرغبة في إنجاب طفل آخر غير طفلهما، لكنه يتهرب بحجج مثل ظروف المعيشة وقلة الدخل. يعمل «عامر» في محل للحلويات والفطائر كما يعمل سائق تاكسي لكن مشكلته التي يفصح عنها لشاب ياباني يعلّمه العربية تكمن في سؤال: ما هو الفرق بين الحب والإدمان؟يتساءل كيف يمكن أن يدمن الإنسان محبوباً؟ يجيبه الشاب من خلال مثل عربي «بعيد عن العين بعيد عن القلب»، لكن الرجل لا يستطيع أن يكون بعيداً أبداً، بل هو منجذب طول الوقت إلى المرأة وهي كذلك، لكن الزوج أو الصديق الغائب فى الزنزانة، دائم الحضور بينهما يؤرّقهما وينغّص حياتهما، كأنه لهب يلاحقهما ليل نهار ويكاد يحرقهما. تبلغ المأساة الذروة عند قرب الإفراج عن السجين، فيصل عامر الى حافة الجنون.يؤدي فايز قزق دور «عامر» وصبا مبارك دور الحبيبة. كلاهما من الممثلين المجيدين المعروفين في الدراما التلفزيونية السورية. من الأدوار التي لفتت الأنظار إلى فايز وإلى روحه وطريقته الخاصة في الأداء، دوره في مسلسل «إبنا الرشيد.. الأمين والمأمون»، ومسلسل «شهرزاد.. الحكاية الأخيرة» وكذلك أداؤه لشخصية الخليفة عبد الملك بن مروان في مسلسل «الحجّاج». يقترب في أدائه إلى روح الممثل المصري الشهير الراحل «استيفان روستي». أجاد في فيلم «خارج التغطية» في تأدية دور مركّب إن لم يكن معقداً أبرز طاقاته الهائلة في التمثيل، إذ جسد شخصية تحترق من دون أن تقوى على الابتعاد عن مصدر هذا الاحتراق، لأنه هو ذاته مصدر الضوء والحياة الوحيد بالنسبة له في العالم.أما البطلة، فهي الممثلة القديرة صبا مبارك، قلت للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد عقب عرض الفيلم: حينما رأيت وجهها وتعبيرها في أعمال الدراما التلفزيونية، مثل عملها الأخير الكبير «الاجتياح» أدركت على الفور أنها من الوجوه النادرة التي تحتاجها السينما فوافقني تماماً على القول وبالطبع ليس هناك أبلغ من أنها بطلة فيلمه بالفعل!أما فيلم «الهوية» فقد أثار جدلاً، وشهدت الندوة التي أعقبت عرض الفيلم مع مخرجه غسان شميط مناقشات ساخنة، حول مدى الالتباس الذي تسبب فيه الـ «فلاش باك» على امتداد الفيلم، والأهم اللجوء إلى ما وصفه المخرج في الندوة بـ «التقمص»، ويعني حلول روح الفقيد أو الشهيد في شخص آخر يعيش ويستمر في الحياة بنفس ذاكرة الشخص الراحل. نحن نعتقد أن الهدف من ذلك هو تجنب التعبير المباشر في فيلم يتحدث عن حق استعادة الجولان المحتل والاحتفاظ بـ «هوية» أبنائه وأن أية قوة مهما زاولت من البطش لن تستطيع اقتلاع هذه الذاكرة أو انتزاع هذه الهوية...لكن النتيجة كانت اختلاط الأمر على المتلقي وشعوره بالالتباس وبالصعوبة غير المبررة أو بالأحرى غير الضرورية في تتبع الأحداث وفي فهمها.
توابل - سيما
إضاءة على المساهمة السورية في مهرجان القاهرة صبا مبارك وجه نادر تحتاجه السينما... ولكن التبس الأمر على مشاهد الهويّة
11-12-2007