بتنا لا ندري حين نتوجه بالكلام إلى الحكومة، هل نحن أمام مؤسسة اسمها مجلس الوزراء، أم اننا أمام ديوانية يتسامر فيها معالي الوزراء لتخرج بقرارات فاقدة صفة الالزام. معيب ما يحصل في موضوع ازالة الديوانيات المخالفة، ومعيب ان نرى سلطة تنفيذية تلحس قراراتها، وتنحني أمام عاصفة الداعين إلى استمرار التعدي على أملاك الدولة، فأي سلطة تنفيذية تلك التي تطبق القانون على الصغير وتحمي مخالفات الكبير؟ وأي وزراء هؤلاء الذين يتشدقون بالاصلاح ثم يُنكسون هاماتهم كالأيتام على موائد اللئام، او يغرزون رؤوسهم في الرمل كالنعام؟! كان أحرى بالحكومة الكاشفة عن مفاتن ضعفها ألا تخطو خطوة واحدة في اتجاه الازالات، وألا تدعي شرب حليب الأسُود في وقت يحتاج وزراء فيها إلى منشطات، فالانتكاسة في التنفيذ أصعب كثيرا من استمرار «التطنيش»، وأقسى على صورة أصحاب القرار، وأشد ضرراً على المصلحة العامة، وعلى حسن سير المؤسسات، اللهم إلا اذا أرادت الحكومة -من وراء التلويح بعصا الهدم- تقديم جزرة صفقات مع «قوى الاستجوابات» ومداهنة شعبوِيي مجلس الأمة، ومدعي حفظ التراث الذي لا يحفظ بالنسبة إلى هؤلاء إلا باستباحة املاك الدولة وكسر هيبة الحكم، وجعلنا اضحوكة بين الناس. أدهى من مشهد الحكومة الذليل، ما يُشتمُّ من نية لتقنين المخالفات و«شرعنتها» بالقوانين والأعراف، عندئذ تكون الحكومة أكبر محرض على التعدي على أملاك الدولة، ويدرك الناس ان «تحدي القانون مُجز» وان أي اعتداء سيجد نواباً يمنعون إزالته، وقوى سياسية تنتصر لاستمراره. ان جريمة تقنين الديوانيات المخالفة لن تنتهي الا إلى فوضى في تعريف الديوانيات، ووجهة استخدامها، خصوصاً ان بعضها صار سكناً لخدم او عمال، او شغله شاغلون بالإيجار تحت مسمى الديوانيات التي هي جزء من تراث المجتمع والبلاد. ولن يكون سلوك الحكومة المتردد والمتراجع في شأن ازالة الديوانيات إلا دعوة مفتوحة لارتكاب التعديات، او اعلانا ساطعا لقيام دولة اللاقانون، مما قد يؤدي إلى إقامة دواوين جديدة بلا ترخيص، خصوصا حين يدرك المواطن ان لا عزاء لمن التزم، ولمن أزال طوعاً، ولمن نظر إلى الدولة نظرة احترام. إنه امتحان الديوانيات، سقطت فيه الحكومة، وسقط فيه معظم النواب، حتى أولئك الذين شهدنا على مدى سنين دفاعهم عن المال العام رسبوا بامتياز، ولن يدركوا إلا متأخرين أن كسب حفنة من الأصوات لا يساوي خسارة مصداقية، وأن صورتهم -مطالبين بقوننة التعديات- لن تُشرّف ابناءهم ولا أبناء ديرتهم، وستنزل في سجلاتهم بوصفها من أسوأ الصفحات. نريد الحكومة مدركة ما تفعل، متمسكة به ومدافعة عنه، فنحن نأبى ان ننظر إليها واهنة أو واقعة في سوء التدبير، أو ساعية إلى صفقات لن تغنيها عن موقف مبدئي خلاصته تنفيذ القانون، وتصليب عود الدولة. فمن يهن في أمر يسهل عليه الهوان في كل أمر، ولا نريد لحكومتنا ان تكون إلا عزيزة الجانب، مرهوبة تحت سقف القانون، وهو ما لن يتحقق في كل مناحي حراكنا السياسي إلا بتصويب قراراتها، لئلا تتحول إلى تمنيات أو قائمة خيارات، فتضيع معها البوصلة وتصير ملكيات الدولة ومقوماتها ووحدتها نهبا للمتطاولين والمستهترين ويضحي الشأن العام شأنا خاصاً بامتياز. الجريدة
أخبار الأولى
افتتاحية
29-02-2008