ينتمي الروائي المصري أحمد مراد إلى جيل الكتاب الجدد الذين يوظفون السينما في الكتابة أو يعمدون الى اصدرات تجريبية اذا جاز التعبير، لكن مراد يؤكد انه ما زال مخلصاً لتجربة نجيب محفوظ في الرواية الواقعية، فهو يرى أنها تلائم عصرنا الراهن.

Ad

يرصد مراد فى روايته «فيرتيجو» حجم الفساد والخلل الذي تغلغل في شرايين المجتمع من خلال وجهة نظر مصور فوتوغرافي.

معه هذا الحوار.

ما الدافع لتصميمك غلاف روايتك وما معنى عنوانها؟

«فيرتيجو» اسم الكازينو الذي شهد وقائع وأحداث الرواية، أما تصميم الغلاف فهذا يعود لعملي في التصوير، فقد تخرجت في المعهد العالي للسينما عام 2001 قسم التصوير، صورت اربعة افلام لصقل دراستي، وعملت بعدها فترة في الدعاية والإعلان ما كون لدي خبرة بالغرافيك ديزاين. وعملت مصوراً فوتوغرافياً وصحافياً وكذلك في الاستوديو الخاص بي الآن، الأمر الذي شعرت معه بالاطمئنان لرغبتي في تصميم غلاف يتناسب مع العمل. وصممت عشرين غلافاً، اذ كان لدي ميل لإحداها ولم أظهر ذلك وعرضتها جميعاً على الناشر محمد هاشم فوقع الاختيار على الغلاف الذي كنت أشعر بميل له.

ما سبب توصيف روايتك بأنّها «رواية سينمائية»؟

اقترحت عليّ لجنة القراءة في دار ميريت إضافة هذا التوصيف للرواية لبعد منهج الرواية عما يصدر عن الدار من أعمال روائية فكانت بمثابة وقاية للدار لما قد يصدر من اعتراضات عليها. واللافت أنّ من قرأ العمل وخصوصاً ذوي الخبرة منهم، رأوا أنّ الرواية بصرية وليست سينمائية وهذا ما كنت أقصده محاولاً نقل المشاهد للقارئ كما أراها أنا. والآن ونحن نستعد للطبعة الثانية والتي ستصدر بعد معرض الكتاب عليها كلمة رواية سينمائية وسأحولها فعلا الى سيناريو لكي تصبح فيلماً مع الكاتب رامي عبد الرازق وسأصوّرها عند الانتهاء منها.

إلى أي مدى أسست الرواية على قاعدة أدبية من القراءات خصوصاً أنها كانت مذكرات وأنت تقول بأنك لست متخصصاً بالسينما؟

ينصبّ اهتمامي الأول في القراءة على التاريخ والسياسة فالتاريخ يكرر نفسه دائماً فقراءتك للتاريخ هي رؤية للمستقبل. وفي رأيي أنه أمر ضروري لروائي يعاين الواقع وينقله لعمل يحتوي على قيمة. ومع هذا فقد قرأت كلاسيكيات الأدب العربي، وإن كان أول من استهواني أنيس منصور برحلاته وفلسفاته ثم مصطفى محمود وكتبه العلمية والأدبية وتوفيق الحكيم والعقاد ثم نجيب محفوظ فكان له نصيب الأسد وإحسان عبد القدوس وعبد الحميد جودة السحار وصولاً الى أحمد العبدي وباسم شرف وسهام عبد الحميد، غير أني أؤكد على أهمية أن يحوي العمل واقعه وتاريخه، الأمر الذي يجعله يحمل قيمة فالكتابة ليست فناً للفن. وقد استوقفتني امور وكان لا بدّ من أن تفرز عملاً فنياً، لأتصالح مع ذاتي، ولم أكن أعرف أنّ ما أكتبه يمكن أن يكون عملا أدبياً. كنت أكتب من دون تخطيط، أضع البطل في مأزق ولا أعرف كيف يمكنني إخراجه منه، وربما أظل أياماً طويلة أفكر في الحل.

هل يعني ذلك أنّ روايتك الأولى سيرة ذاتية؟

لا يعني ذلك بالضرورة الكتابة عمّا واجهته، لكن مع ذلك يمكن اعتبار «فيرتيجو» سيرة ذاتية لعدد كبير من المصورين الذين عرفتهم واحتكاكات وحوادث بعضها مشاهدات فحسب وبعضها الآخر تجارب لآخرين، فأنا لا أتصور كاتباً يعبّر عن عالم لم يعايشه، وأنا أعيش في عالم التصوير منذ سنوات طويلة، واستخدمت أسلوب الكولاج في رسم الشخصيات، فهناك تفاصيل في شخصية أحمد كمال تشبه شخصية صديق لي، وهناك تفاصيل في شخصيته قريبة من تفاصيل شخصيتي. ربما أبدأ مع شخصية من وقائع عاشها شخص ما ثم استكملها بحلول خيالية لم تحدث، التيار الواقعي ينقل من الواقع أحيانا ويخلق إسقاطاً على الواقع أحيانا أخرى.

أصبح الواقع شديد التعقيد، ووفرت وسائل الإعلام تقديمه بصورة سريعة وشيقة للجمهور، ربما استدعي هذا التعبير عن الواقع بصور مغايرة؟

ربما يكون الواقع بالفعل أكثر إدهاشا ممّا نكتبه. لكننا نمر بفترة صعبة جداً ومصيرية في حياتنا، المستوى الثقافي يتدهور والقراء أعدادهم تتضاءل مع الوقت، فلا يمكن مخاطبة شريحة واحدة من المثقفين والتعالي على المتلقي وتضييق الدائرة علينا. لا أحب الكتابة الذهنية وأفضل الكتابة السلسة التي تسهل متابعة العمل للنهاية. استخدمت أسلوب المونتاج الرأسي، أتتبع أحمد كمال وهو يواجه مواقف في حياته ويخترق عوالم السلطة والمال من واقع عمله كمصور ويقابل شخصيات في طريقه أتوقف عندها ثم أعود إليه من جديد كأنني أوقف خط سير الزمن في لحظات بعينها، وهناك نوع من الإثارة، فهدفي تقريب عالمي من الناس، والتعبير عنهم، وأحمد كمال شخصية مكافحة رغم كونه شاباً عادياً يمكن أن تراه في الشارع يحب عمرو دياب ويضع مثبت الشعر (جل) إلا أنه غير منفصل عن الواقع ومهتم بالأحداث من حوله.

تيمة الحلم متكررة في الرواية لماذا؟

الحلم تنفيس عمّا يحدث في حياتنا وانعكاس لأشياء كثيرة حولنا وفي حياتي الخاصة. أحلم بأشياء جميلة وقبيحة على حد سواء وكل شيء في حياتنا يبدأ بالحلم.

هل استفدت من دراستك في معهد السينما في كتابة الرواية؟ 

درست السيناريو والإخراج في معهد السينما وأعطاني ذلك دفعاً قوياً في بناء الشخصيات حتى فكرة الصراع والذروة والبنى الدرامية كلّها في الرواية واستفدت من مشاهدة الأفلام الأجنبية التي تعطي رؤية مغايرة، كذلك أستقي خبراتي من خلال الجلوس مع الآخرين في المقهى وأقسام البوليس والمستشفيات والأرصفة وهذا أعطاني «مادة خام» للرواية. 

يكتب أحمد مراد رواية كلاسيكية ويرى أنه التيار الأنسب للتعبير عنه وعن الواقع الذي يحتاج رصداً وتأملاً، لذلك فهو لم يختر اتجاهاً بعينه على حد تعبيره وإنما وجد روايته تسير في هذا الإطار وهو يكتبها. ويقول «فن بلا هدف بعيد عن الجمهور، أريد أن تصل أعمالي لكل الناس، وأن يفهمها قراء ميكي جيب ويتقبلها المثقف أيضا، أنا لا أعترف برواية مغرقة في الذاتية ولا يخاطب فيها الكاتب سوى نفسه».

رواية «فيرتيجو» متأثرة بلغة السينما إلى حد كبير في أسلوب الحكي وتفاصيل وصف الشخصيات والأماكن، إلى حدّ أنّ غلاف الرواية يصنف العمل في اعتباره «رواية سينمائية» وهو ما يوضحه الكاتب «أنا لا أنكر تأثير دراستي للسينما على كتابتي، وليس عيبا أن تتأثر الأعمال الروائية بالبصريات والمشهدية وتلتقط تفاصيل الأشياء بل هذا من سمات الكتابة الواقعية، و«فيرتيجو» رغم أسلوبها السينمائي لم تهرب من سياق الرواية، ولكن الناشر لم يجد روايتي تندرج تحت أي من تصنيفات إصداراته، فطلب وضع هذا التعبير على الغلاف وأنا بالطبع احترمت خبرته ومعرفته الأوسع بهذا المجال، وقد وافقني الرأي الآن في ضرورة صدور الطبعة الثانية من دون تصنيف.