لا يبدو تكليف الجنرال ميشال عون بالتفاوض مع الموالاة وتنحية الرئيس نبيه بري عن هذه المهمة أمراً غريباً أو يستوجب الاستهجان، فلو نحجت سورية في فرض الجنرال عون رئيساً على اللبنانيين، ستكون خطوتها التالية ترئيس نائب من «حزب الله» مكان الرئيس نبيه بري. يلاحظ المحللون السياسيون أن الهجوم الدولي والعربي الأخير على السياسات السورية في لبنان يشبه في حدّته وقوة اندفاعته الهجوم الذي أعقب صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأدى في ما أدى إليه إلى خروج الجيش السوري من لبنان، بافتراض أن الثمن الذي دفعته سورية في لبنان بخروج جيشها منه، كان دفعة كاملة ومستحقة في الوقت نفسه عن مسؤوليتها على اغتيال الرئيس الحريري. ذلك الهجوم الدولي والعربي لم تقتصر مفاعيله على العلاقات اللبنانية السورية وطبيعتها في ما تلاها من مراحل، وهي المعركة التي مازال اللبنانيون والسوريون يخوضون فيها حتى اليوم، بل تجاوزت المدى اللبناني الخارجي، إلى المدى الداخلي على نحو لا يمكن الشك فيه، يومذاك، وعلى وقع القرقعة الدولية الجارفة وجد «حزب الله» نفسه مستهدفاً على نحو مباشر في المدى الداخلي اللبناني من هذا الهجوم. وسرعان ما وضع سلاح «حزب الله» على طاولة المفاوضات اللبنانية والعربية والدولية، واستدعى ذلك الأمر حراكاً لبنانياً فاعلاً في المنتديات الدولية والإقليمية، كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بطله من دون منازع، دعا إلى جعل موضوع سلاح «حزب الله» داخلياً، مما يعني تالياً نزع مخالب القرار الدولي 1559 التي قد تطاول «حزب الله» وسلاحه. من جهته أبدى «حزب الله» في تلك الآونة ليونة لافتة، فلم يكن أمينه العام يهدد من تسوّل له نفسه التفكير في نزع سلاحه، ولا كان نائبه الشيخ نعيم قاسم يبدي الصلافة التي يلاحظها اللبنانيون، ولم يكن على القدر نفسه من الاستعلاء الذي يبديه اليوم حيال الهجوم الدولي المتجدد، ناهيك عن اللطف الذي هبط عليه في تلك الآونة وجعله لا يعلن ما يمكن أن يُشتمّ منه أو يُستشعر من خلاله أي صيغة من صيغ التهديد والوعيد الذي يميزه اليوم.كان «حزب الله» في تلك الآونة متراس سورية الأول في لبنان والذي كان يتعرض للتهديد المباشر من دون أن يجد جداراً يتلطّى وراءه، بينما كان الرئيس نبيه بري، وهو رئيس حركة «أمل» الشيعية، يدرك أنه غير مستهدف على نحو مباشر من الهجوم الدولي، وأن الهجوم الدولي نفسه، يراهن على دور ما له في المعادلة الجديدة بوصفه الأكثر اعتدالاً من «حزب الله» المستهدف مباشرة، ولم يلبث الهجوم الدولي الذي استكمل اندفاعته في الانتخابات النيابية التي جرت في العام نفسه، أن فرض على «حزب الله» اتخاذ جانب الحيطة، فلم يعمد التنظيم الشيعي الأوسع تمثيلاً إلى ترشيح واحد من نوابه في كتلة الوفاء للمقاومة لمنصب رئاسة المجلس النيابي، وكان أن رشح الرئيس بري لهذا المنصب بوصفه مرشحاً يرضى عنه الطرف الآخر، ويريده شريكاً في المعادلة السياسية الجديدة.التطورات السياسية التي أعقبت تلك الاندفاعة غيرت في الوقائع اللبنانية الكثير، إذ ما لبث «حزب الله» أن عقد تحالفاً مع الجنرال ميشال عون الماروني، مما عدل النصاب السياسي اللبناني الداخلي بين المعارضة والموالاة، وجعل كفتي الميزان بين المعارضة والموالاة متوزانتين بصرف النظر عن عدد نواب كل طرف من الطرفين في المجلس النيابي، والحق أن الجنرال ميشال عون مضى في تحالفه مع «حزب الله» داخلياً وسورية وإيران خارجياً حداً بلغ معه موقع المستهدف الأول من الاندفاعة الدولية الجديدة، وأخّر «حزب الله» إلى المرتبة الثانية. وهذا نصر سوري كامل المعالم في حد ذاته، فالإدارة السورية اليوم تملك عجلاً مسمّناً للذبح والتضحية به غير حليفها الأصلي والأساسي الذي يمثله «حزب الله». وإذ تقاتل الإدارة السورية برصيد الجنرال عون وقواه الذاتية، فإنها تدرك أن خسارتها التامّة غير متيسرة في هذه المرحلة بالذات، ذلك أن التضحية بعون لا تمنع أن يكون «حزب الله» شريكاً أساسياً في السلطة المقبلة، وهو من هو في الحسابات السورية والإيرانية على الصعيد اللبناني.لهذا لا يبدو تكليف الجنرال ميشال عون بالتفاوض مع الموالاة وتنحية الرئيس نبيه بري عن هذه المهمة أمراً غريباً أو يستوجب الاستهجان، فلو نحجت سورية في فرض الجنرال عون رئيساً على اللبنانيين، ستكون خطوتها التالية ترئيس نائب من «حزب الله» مكان الرئيس نبيه بري، ذلك أن صدر الجنرال عون سيكون معرضاً وحده تقريباً لكل سهام الهجوم الدولي والعربي ولن يصيب «حزب الله» من هذه السهام إلا ما اخترق صدر الجنرال العريض.*كاتب لبناني
مقالات
الجنرال عون يقود فيلق سورية المتقدم
26-12-2007