يذكّرنا الفيلم المصري الجديد «أحلام حقيقية» بأفلام الإيذاء غير المتوقع من أحد المقربين، كالفيلم المشهور»الليلة الأخيرة» للمخرج القدير كمال الشيخ، حيث تقع الجرائم المتوالية فى حق البطلة فاتن حمامة بتدبير الزوج محمود مرسي. وكذلك فيلم «الغيرة القاتلة» وهو العمل الأول للمخرج المرموق عاطف الطيب، حيث يتمّ إيذاء البطل نور الشريف على يد صديقه يحيى الفخراني. أمّا فى الفيلم المصري الجديد «أحلام حقيقية» فإن البطلة مريم حنان ترك تفاجأ، ونفاجأ معها قبل نهاية أحداث الفيلم بقليل، بأن إيذاء البطلة، منذ مستهلّ الفيلم وعلى مداره، تدبره صديقتها الحنون مي التي تؤدي دورها داليا البحيري، التي لم تتركها لحظة واحدة فى كل أيام الشدة والمحنة.لا شك أنه في كل هذه الحالات «نفسية بشرية»، غير سوية، ترتكب الجرائم والإيذاء في حق شخص مقرب، بدوافع الغيرة والحقد، أو لتغطية جريمة تلو الأخرى، وغير ذلك من دوافع، تعبر كلها عن نفوس مريضة. لذلك فإن مثل هذه الأفلام تعدّ عادة من نوع الدراما ذات الطابع النفسي أو السيكولوجي، وقد تتقاطع مع بعض خصائص «سينما الرعب» أو «الفيلم البوليسي».ينجح المخرج محمد جمعة والكاتب محمد دياب، وهما يستهلان مشوارهما فى السينما بفيلم «أحلام حقيقية» فى تحقيق أول عنصر في هذا النوع من الأفلام، وهو التشويق وشد انتباه المتفرج طول الوقت إلى الأحداث، بتنفيذ جو درامي ونفسي خاص، وصورة وإضاءة ذكية لا تخلو عادة من غموض، وإيقاع نشط متدفق، يسرع ويندفع أحياناً إلى حد اللهاث! لابد أن يحوي الفيلم عنصراً آخر، هو الإتقان، ابتداء من رسم الشخصيات فى السيناريو والتعبير الدقيق من دون ثرثرة فى الحوار إلى تتابع المشاهد بسلاسة، ثم تنفيذ الإخراج لتلك المشاهد بحرفية وتقنية مقنعة. يؤدي التصوير والمونتاج هنا دورين بالغَي الأهمية ولابد أن يكونا فى أعلى المستويات، إلى جانب فن الممثل الذي هو صدارة الفيلم، وتجسيده وروحه!فقد حقق فيلم «أحلام حقيقية» شيئاً غير يسير من ذلك كله، في عناصر الفيلم الفنية وبخاصة تصوير نزار شاكر، ومونتاج أحمد شحم، وموسيقى تامر كروان.وأثبت محمد جمعة مقدرته المتميزة فى إدارة عناصر الفيلم المختلفة، واختيار وتوجيه ممثلي الفيلم، الذين بذلوا جهداً جيداً في أداء أدوارهم وفي مقدمتهم حنان ترك وخالد صالح وداليا البحيري وفتحي عبد الوهاب.مع ذلك عبّر مؤلف الفيلم في أحاديث صحفية عن استيائه.. لأن ثمة تعديلات جرى إدخالها على السيناريو وقد شوّهت برأيه فكرته الأصلية. والحق أن نقطة الضعف الأولى في رأينا هي أن الفيلم لم يقدم تبريرات مقنعة لكل هذا القدر من الإيذاء الذي ارتكبته مي فى حق صديقتها مريم.والغريب أن الصديقة المؤذية، ظهرت طول الوقت (معظم الفيلم قبل انكشافها فى نهاية الفيلم!) بأداء فيه براءة ومحبة وإخلاص وتفان نحو صديقتها، بتماسك نفسي كامل، واتزان لا مزيد عليه! ومن الصعب أن نتصور أن شخصاً يتحلى بهذه الصفات يمكن أن يقدم على أعمال إجرامية.تدور أحداث «أحلام حقيقية» حول مريم التي ترى فى منامها أحلاماً أو كوابيس، تقتل فيها أشخاصاً، فتحول الصديقة الحلم إلى واقع بعد ارتكابها بالفعل جرائم قتل هؤلاء الأشخاص فيلقى فى روع مريم»أنها القاتلة الحقيقية» وتكاد تجن لذلك، بل يتهمها ضابط الشرطة المحقق فتحي عبد الوهاب بأنها المدبر لهذه الجرائم!فهل الغيرة من صديقة تحيا مع زوج طيّب متفهم هو خالد صالح وطفلة أنجباها سبباً كافياً لكل هذه الأفعال الشنعاء، وكل هذا الإيذاء؟!في «أحلام حقيقية» كان لابد من تعميق ملامح ودوافع هذه الشخصية أي الصديقة مي، على نحو أكثر إقناعاً ومعقولية، ولذلك فإننا فى هذا الفيلم أمام مواهب حقيقية، لكننا فى النهاية لسنا أمام فيلم من أفلام الدراما النفسية الحقيقية!
توابل - سيما
أحلام حقيقية... لماذا وكيف كل هذا الإيذاء ؟
30-11-2007