اختيرت بيروت «عاصمة عالمية للكتاب» من قبل منظمة الاونيسكو. هذا الخبر ورد في خضم الانقسام السياسي والاجتماعي بل الثقافي بين اللبنانيين. نبأ أشبه بالتحدي لواقع سياسي مرير إنعكس على أيّ شيء حتى الكتاب، تقام المعارض الطائفية في بيروت على الملأ ومن دون خجل. بيروت عاصمة عالمية للكتاب، خبر سار، لا يتلقفه اهل السياسة، لا يحبونه ربما لأنهم لا يحيون الا على وقع الانقسامات. خبر ورد قبيل ايام على الدراسة التي اعدتها شركة «سينوفات» المتعددة الجنسيات والتي افادت فيها ان أكبر قراء الصحف هم مصريون ومغاربة في حين يكرس اللبنانيون وقتاً أكبر لقراءة الكتب. ألمحت الدراسة الى ان المصريين والمغاربة يمضون يوميا أربعين دقيقة في قراءة الصحف والمجلات مقابل 35 دقيقة في تونس و34 دقيقة في السعودية و31 دقيقة في لبنان. حل اللبنانيون في طليعة قراءة الكتب اذ يكرسون لها 588 دقيقة شهريا مقابل 540 في مصر و506 في المغرب و378 في السعودية و306 في تونس. أكثر الكتب التي يقبل عليها القراء في البلدان المذكورة كافة هو القرآن الكريم باستثناء لبنان، حيث يُفضل قراءة الروايات المعاصرة. تأتي هذه الروايات في المقدمة بعد المصحف تليها مباشرة كتب الطبخ في المغرب والسعودية والشعر وكتب التاريخ في الدول المذكورة. تحتل اللغة العربية الصدارة في مصر (99,6 %) والسعودية (99,5 %) مقابل (82,8 %) في تونس و(81 %) في المغرب و(76,5 %) في لبنان. ويقبل عدد اكبر من القراء على الكتب باللغة الانكليزية في لبنان وتونس مقارنة بالبلدان الثلاثة الاخرى في حين يحل المغرب أولاً اثر تعلق الامر بقراءة الكتب باللغة الفرنسية. استطلاع يقول كثر إنّ الذين شملهم الاستطلاع «توقفوا او تراجعوا عن القراءة» بين التاسعة عشرة والخامسة والعشرين من عمرهم. اعلن أقل من 25% من هؤلاء انهم عاودوا القراءة لاحقاً. يرى 55,6% من المغاربة و51,6% من التونسيين ان الكتاب اهم من التلفزيون. تبيّن الدراسة الواقع الساخر والمرير الذي يعيشه العالم العربي في علاقته بالثقافة والكتب والقراءة، دقائق قليلة من اجل الكتب هل علمتم وذقتم؟ هل ينبغي ان «يضيّع» المرء وقته في القراءة؟ كثر يعتبرون العالم العربي غالبة فيه الثقافة الشفوية فلا يحبذ القراءة ولا يضيع وقته في متابعة احلام مستغانمي او علاء الاسواني او نجيب محفوظ او ماركيز. لا يزال حمل الكتاب مستغرباً في كثير من المجتمعات العربية ويربط بالدراسة الجامعية. ان يحمل المرء كتاباً فهذا في عرفهم نوع من انواع اللهو ومضيعة للوقت. الأرجح ان هذا الموضوع يحتاج دراسات تبين الواقع الاجتماعي والثقافي في العالم العربي من نواح مختلفة، ذلك أن العينات تبقى أموراً عابرة لا تعبّر بحق عن واقع ما يحصل. تحدث ضجة ولا تقدم صورة الواقعية. على هامش هذه الدراسة لا بد من ان نستطرد الى مقال للناقد كمال ابو ديب وأيضاً الى كتاب الفرنسي فرانك ميرمييه تحت عنوان « الكتاب والمدينة» فيه يتعامل بتفاصيل كثيرة ومهمة عن موضوع النشر في لبنان في خمسة فصول تتجاوز محتوياتها عنوان الكتاب حيث يستعرض المؤلف أحوال النشر والكتب في العالم العربي. يقول ابو ديب: «انه رغم الافتقار إلى معلومات تفصيلية عن سوق كتاب اللغة العربية، فثمـّة وسائل بديلة لمعرفة انتشار أي كتاب. يتطلّب الأمر جهداً بحثياً كبيراً لا يتوافر إلا في مؤسسات حقيقية أو في وزارات الثقافة». طرق الاستدلال تكشف الكثير من الخبايا، كمثل استهلاك البلد إجماليّ ورق الطباعة وتوزيع الورق بحسب دور النشر مقارنة بدول أخرى وفق التعداد السكاني الى مؤشرات اليونسكو وسواها ما تشير إلى استفتاءات عن الوقت الذي يمضيه الفرد في المطالعة، وهو لدى العرب ربما من الأدنى بين الشعوب. يمكن مراجعة دور النشر لاستفتائها عن الكتب العشرة الأكثر مبيعاً التي نشرتها. لكنّ إجراء مثل هذا الاستفتاء الدوري مع ألوف دور النشر في الدول العربية يحتاج إلى فريق بحث واستبيان مع أسئلة مفصلّة وموازنة. ثمة محاولات لشركات عربية تبيع الكتب على الانترنت في تقديم معلومات عن الكتب الأكثـــر مــــبيعاً. فموقع «نيل وفرات» يغذي لائحته بأحدث المبيعات. معلوماته حديثة باستمرار، ويعرض الكتب الأكثر مبيعاً لعام 2006. اثر مراجعة لائحة «نيل وفرات» تبيّن أنّ الروايات والقصص احتلت المرتبة الأولى (عام 2006) حيث شغلت 46 مرتبة من أصل مئة تليها الكتب الدينية (20 كتاباً من أصل مئة) وكتب السياسة (20 كتاباً من أصل مئة)، وعلى عكس ما هو رائج في السوق لم تحتل كتب الأبراج والطبخ أكثر من 5 كتب والجنس 5 عناوين والكتب التقنية (كومبيوتر) 4 كتب. أما اللائحة فليست مقياساً على انتشار دواوين الشعر. لكتاب والمدينة أما ميرمييه فيقدّم مقاربة علمية وشاملة لحال الكتاب في العالم العربي، إن على مستوى قراءته أو طبعه أو توزيعه. المهمة التي اضطلع بها ميرمييه بموضوعية لافتة وجريئة، نظراً إلى عدم توافر معلومات دقيقة حول هذا الموضوع. إلى شمول دراسته كل الدول العربية بلا استثناء. تبدو دراسته «فضيحة» للنسيج الثقافي. تبين ان المؤلف يعرف العالم العربي وكتبه اكثر منا نحن ابناء هذه البلاد. يركز في شكل خاص على دور بيروت كعاصمة للنشر العربي. رغم الصعوبات الكثيرة التي اعترضت سبيله، توصّل مرمييه إلى تحديد معالم مشهد النشر في العالم العربي بخصوصياته ومشاكله وتوجهاته القديمة والحديثة. الكتاب والمدينة خلاصة يجدها المؤلف ميرمييه من البداية، اذ لاحظ ان: «الناشر لقمان سليم سجى (عام 2000)، نعشا من الجص في جناحه في معرض بيروت للكتاب ناعيا بذلك القاريء العربي. (عام 2003). نعت احد الناشرين الاردنيين الكتاب العربي «عرق في طور الانقراض» بينما علّق رياض الريس لافتة «القاريء الديناصور الأخير». يتابع المؤلف: «على رغم ان العالم العربي بعديده البالغ نحو 280 مليوناً، يشكل سوقا اقليمية واسعة تطاول في بعض انحائها العالم الاسلامي بأسره. بيد ان هذه السوق مصابة بعدم الانسجام لأن نسبة الامية فيها (70 مليوناً). تفاوت السوق هذا انما هو محصلة لتمايز الارث التاريخي ناهيك بالتشكل الاجتماعي الثقافي الخاص بكل مجموعة وطنية». يخضع هذا التفاوت لتقلب الاحوال الاقتصادية والسياسية التي خلفت قيوداً كثيرة تحدّ من تسويق الكتب وتوزيعها في العالم العربي. من ذلك تدني القدرة الشرائية في أكثر البلدان اكتظاظاً بالسكان كمصر والعراق وسورية والمغرب والجزائر والسودان فضلاً عن وطأة الرقابة وارتفاع معدل الرسوم الجمركية وقصور شبكات التوزيع وتدني عدد المكتبات العامة وتفشي القرصنة، ما أدى الى استحكام الازمة المستبدة حاليا في قطاع النشر، وما يقلق الناشرين انما تقهقر الثقافة المكتوبة وعزوف الاجيال الصاعدة عن القراءة. حقيقة الأمر ان المشهد الاعلامي الجديد الذي نتج عن وصول البث التلفزيوني وشبكة الانترنت قد بيّن ان دور المطالعة ومكانتها كوسيلة لنشر المعرفة باتت مهددة في اوساط الاجيال الشابة. ساهم انتشار المطبوعة، حتما، في تشكيل حدود الهويات العربية والاسلامية، بيد ان ظهور ثقافة عربية متجانسة وتكوّن نخبة عربية لم ينجزا بحقّ الا منذ السبعينات من القرن الفائت. اما اليوم فان ازدهار الفضائيات ورواج النماذج التلفزيونية العابرة للدول كل من شأنه بناء ثقافة اعلامية جديدة. كما ساهم في تشكيل احتكار الحدود الموقت فضلا عن غياب الوسيط الاعلامي، من اجل التأليف المعاصر ونزعة التقيد الجامد بتعليم الأدب. الشفاهية الشفاهية اقوى من الكلمة في الزمن الرديء. هذا لا يعني ان تاريخ الثقافة دائما على هذا النحو. هل ينبغي التذكير بمرحلة تثمين الكتاب في الحضارة الاسلامية في العصر الوسيط سواء كوسيلة للمعرفة ام كعلامة بارزة لعلاقات اجتماعية لامعة. كانت هواية جمع الكتب النفيسة قد نشطت على حد سواء في صفوف المثقفين والحكام، ما ادى الى مضاعفة المكتبات الخاصة والعامة في مختلف انحاء العالم الاسلامي.ألا يزال العالم العربي على هذا النحو؟ الكتب الدينية الارجح ان جماهير التلفزيون تبين الخلل الاجتماعي. في حال كانت الدراسة المذكورة اعلاه قد المحت الى ان الكتب الدينية مقروءة على نحو ملحوظ فميرمييه يسأل ما اذا كانت كتب التراث الاسلامي بخاصة من الكتب الاكثر مبيعا، «توضع على رفوف مكتبة ما لتشير الى شكل من اشكال المعرفة وحيازتها بدلا من ان تلبي الحاجة الى القراءة» هي «كتب اضرحة» كما تسمى في المغرب لأنها لا تفتح على الاطلاق. انها ايقونات لمعرفة مقدسة ترتكز على التراث وهي الضامنة للأمانة وللاصل، والتعبير عن رباط مع قاعدة حضارية حيث تختلط اللغة بالدين والعروبة بالاسلام. يشير مرمييه إلى كثافة محيط النشر وتطوره ما يسمح بإدراك قوة الإشعاع الثقافي لمدينة ما. بيروت والقاهرة من أولى المدن التي تأسس فيها محيط بشري حقيقي داخل العالم العربي، تحولتا عاصمتين للكتاب العربي لاهتمامهما الباكر بالابتكارات التقنية والثقافية وتمتعهما بحرية نسبية مقارنة بباقي المدن العربية. ستشكّل المنافسة بينهما عاملاً مهماً في تنظيم مشهد النشر العربي. يعود الدور النشيط الى هاتين المدينتين في التبادل الفكري والإنتاج الثقافي إلى نمو التبادلات بينهما وبين البلدان الغربية، ورغبة هذه الأخيرة في زيادة نفوذها في المنطقة العربية عبر تشجيع إنشاء نظام تربوي حديث، خاصة عبر البعثات الدينية. ترى هل ستاخذ بيروت دورها كعاصمة للنشر عام 2009 ام انها ستبقى ساحة مفتوحة على الصراعات الدولية؟السؤال هل تكون بيروت عاصمة عالمية للكتاب (عام 2009) ام تبقى ساحة الفراغ والصراعات والزواريب الضيقة؟
توابل - ثقافات
متى تخرج الكتب العربية من الأضرحة؟
18-07-2007