أطلقت محكمة الجنايات أمس برئاسة المستشار عبدالله محمد الصانع مفاجأة من العيار الثقيل في قضية جمع مخلفات الغزو العراقي، بحبس وكيل وزارة الدفاع السابق فيصل الداوود بالمؤبد وألزمته بسداد 6 ملايين دينار كويتي وسبعمئة ألف وبرد ضعف المبلغ وقدره 13مليون دينار كويتي، بينما برأت المحكمة المتهم الثاني وهو وكيل الشركة المتعاقدة مع وزارة الدفاع، وأحالت المحكمة مطالبة الحكومة الداوود بالتعويض إلى المحكمة المدنية. قالت المحكمة في حيثيات حكمها ان إرادة المتهم وكيل وزارة الدفاع اتجهت إلى الإضرار العمدي بالمال العام وتوافر بحقه القصد الجنائي، وبعلمه المسبق في ترتيب التزامات مالية على عاتق الدولة والتي أضرت فعلاً بمصالحها ليُسهل حصول الشركة المتعاقد معها على ربح ومنفعة، وأنه تعمد إبرام العقد بصيغته النهائية فتحقق بذلك القصد الجنائي وبالتالي كل أركان الجريمة.نشاطولفتت المحكمة إلى أن نشاط المتهم الوكيل السابق كفيل بإن يعصف بالعقد الذي أبرمه قبل الدخول في طور التنفيذ، الأمر الذي يشير الى أن نيته انصرفت حتماً إلى أن تصب في وعاء واحد هو تسهيل تحقيق المنفعة والربح للشركة المتعاقد معها، من خلال الاضطراب في نصوصه واستحالة تنفيذه، ومن ثمة اللجوء إلى تسوية العقد أو إقامة منازعة تحكيمية حتمية محسومة النتيجة فإن الجزء الأكبر من الالتزامات المحُملة على عاتق وزارة الدفاع بإبرام ذلك العقد لم تقف عند هذا الحد، وإنما تجاوز فيها العديد من قوانين البلاد وان كانت ليست محل بحث قيمة التعويض أمام هيئة التحكيم الدولية غير أنها بالتأكيد ستكون محط نظر وبحث لو تم عرض النزاع أمام القضاء الوطني والذي أبعده المتهم الأول من خلال نص المادة 15 من العقد ناحية، ومن ناحية أخرى أوردت المادة 8 من العقد حسبما ثبت بتقرير ديوان المحاسبة أن قيمة الكفالة النهائية والتي يفترض سدادها من جانب شركة تكنيكا الهنغارية لاتتناسب مع قيمة العقد المبرم، فهي تعادل نسبة 1.1% تقريباً من قيمة الـعقد البالغة قيمته 200 مليون دينار كويتي على نحو ما نصت عليه المادة 11 من العقد، وفضلاً عن ذلك فقد جاءت متناقصة في حال بلوغ قيمة المبيعات 12 مليون دولار أميركي، ومن ثم تنخفض تلقائياً بمبالغ متساوية سنوياً حتى تصبح عند نهاية العقد «صفراً»، ويضاف إلى ذلك فإن تقرير ديوان المحاسبة قد أورد أيضاً تجاهل المتهم الأول قرار مجلس الوزراء رقم 694 المؤرخ في 26 يوليو 1992 والخاص بضرورة إلزام الشركات الأجنبية المتعاقد معها بالدخول في نظام «الأوفست» وفقاً للسياسة الاقتصادية العامة للدولة، فتعمد إغفال إدراج بند يلزم الشركة المتعاقد معها بالدخول في استثمارات مجدية اقتصاديا لمصلحة دولة الكويت.ربحوقالت المحكمة ان المتهم ارتكب الوقائع المنسوبة إليه بصفته وكيل وزارة الدفاع ورئيس اللجنة العليا لمناقشة العقود العسكرية والمكلف من قبل وزير الدفاع بالمحافظة على مصلحة عمله والإشراف إدارياً ومالياً في الاتفاق والتعاقد مع شركة تكنيكا الهنغارية لمشروع تنظيف وتجميع وتأهيل وبيع الذخائر والمعدات التي خلفها الجيش العراقي بعد احتلاله دولة الكويت، فتعمد إجراءها على نحو يضر بجهة عمله ليُسهل للشركة المذكورة الحصول على ربح ومنفعة مالية لها فأبرم عقد الاتفاق المؤرخ في 20 مارس 1994 مع علمه بإن من شأن ذلك ترتيب التزامات مالية على عاتق الدولة والإضرار بمصالحها في مغامرة اقتصادية ومالية وتجارية غير متوازنة، إذ ضمنها شرطاً معلقاً يلزم وزارة الدفاع بدفعة أولية قدرها مليونا دولار أميركي تسدد خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التعاقد وألحقها في بنود متعارضة ومتداخلة تكفل عرقلة التنفيذ والاضطراب ينصب الالتزام الأكبر فيها على جانب وزارة الدفاع، بعد أن تعمد حجب وتغييب جميع الجهات والهيئات الرقابية والقانونية والعملية لإبداء رأيها بشأن بنود العقد والموافقة عليها، مخالفاً بذلك نصوص قوانين إنشائها وتجاهلها بغية التفرد فيه والحيلولة دون التصدي له في تحقيق مراده.عقدوبينت المحكمة أن المتهم «تمكن متعمداً من تفويت ميعاد الاستحقاق بتاريخ 20 أبريل 1994 وحتى تقديم استقالته، لضمان عدم تنفيذ العقد ليتسنى للشركة المتعاقد معها كما رسمه لها في مطالبة وزارة الدفاع بتعويضات مالية ناجمة عن هذا الإخلال العقدي وإقامة منازعة تحكيمية حتمية محسومة النتيجة بقرار نهائي غير قابل للطعن، فأبلغ الجاني مقصده وتكبدت الدولة مبلغ التعويض الصادر بقـرار من هيئة التحكيم الدولية لمـصلحة الشركة المذكورة والذي يبلغ 103/6.744.144 د.ك وأهدر بذلك الإيراد المتوقع من هذا المشروع الذي كان من شأنه أن تجنيه خزينة الدولة بالمخالفة للفكرة الأساسية للمشروع محل اعتماد وتفويض وزير الدفاع».اتفاقوقالت المحكمة انه عن التهمة المنسوبة إلى المتهم الثاني وهي الاشتراك مع المتهم الأول في الجريمة المسندة إليه قبل وقوعها بطريق الاتفاق والمساعدة بان أتفق معه على ارتكابها وساعده بان قدم له مشروع العقد مع شركة تكنيكا الهنغارية، فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة، وكان من المقرر قضائياً أنه من اللازم في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤدياً الى ما رتبه عليه من نتائج بغير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وكانت الأحكام الجزائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة، وكانت الواقعة المسندة الى المتهم الثاني «محمد. ع» على نحو ما تقدم قد أحاط بها هالة كثيفة من الشك والريبة مما ينحسر معها الاطمئنان الواجب توافره في الأدلة التي يبنى عليها قضاء الإدانة.وقائعوقائع الدعوى تتحصل في «أنه بعد انتهاء حرب تحرير دولة الكويت وطرد الجيش العراقي الغازي منها في عام 1991 تخلف لدى هروبه العديد من الآليات والذخائر والمعدات العسكرية المكونة من قنابل وقذائف وصواريخ مدفعية وذخيرة هاون وأسلحة صغيرة ومضاد للطائرات ودبابات وآليات ومركبات مدنية استطلاعية وناقلة للجنود ومدرعات ورشاشات ثقيلة ومطلقات الصواريخ ودفاع جوي ومدفعية ذاتية وغيرها، والتي كان من الممكن الاستفادة منها واستعمالها باعتبارها غنائم حرب أو اصلاحها وتحسينها وإعادة تأهيلها تمهيداً لبيعها في السوق الدولي، وفي عام 1992 تقدمت شركة تكنيكا الهنغارية عن طريق وكيلها المتهم الثاني «محمد. ع» إلى رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي بوزارة الدفاع بفكرة أساسية تقوم على التعاقد بتنظيف وتجميع وتأهيل جميع تلك الذخائر والمعدات بسعر تقدر قيمته بـ350 مليون دينار مع عدم وجود أي التزامات مالية تقع على عاتق الدولة بمقابل حصول وزارة الدفاع على الحـصة الأكبر من عمليات البيع والتسويق، ولاقت الفكرة استحسان وزير الدفاع آنذاك المرحوم علي صباح السالم فأصدر تكليفاًً وتفويضاً شفهياً للمتهم الأول فيصل الداوود وكيل وزارة الدفاع ورئيس اللجنة العليا لمتابعة العقود العسكرية للاتفاق والإشراف إدارياً ومالياً بما يحقق المصلحة العامة للدولة وبإبرام العقد.شركاتواستمرت المناقشات بين الجانبين مع وجود عدة عروض لشركات أخرى تم من خلالها ترجيح كفة شركة تكنيكا الهنغارية صاحبة الفكرة لأسباب فنية، وقُدمت عدة مشاريع للتعاقد غير أن بعثة تلك الشركة غادرت البلاد بعد فشلها في إبرام العقد بصيغته النهائية نتيجة علم وزارة الدفاع بإن الكمية والقيمة المراد التعاقد عليها تقل عن تلك الموجودة في أرض الواقع، وكان ذلك من شأنه الإضرار بمصلحة الدولة فتم إبرام العقد من جانبها وأودعته لدى الوزارة، إلا أن المتهم الأول تفرد متعمداً بتغييب وحجب وتجاهل عرض ذلك العقد المُودع لدى الوزارة إلى إدارة الفتوى والتشريع وديوان المحاسبة وإدارة المنشآت العسكرية والإدارة القانونية التابعة لجهة عمله لاستطلاع الرأي بشأن بنوده والتصريح بالموافقة على إبرامه، مخالفاً بذلك نصوص قوانين إنشائها للحيلولة دون التصدي له في تحقيق مراده الذي قصده بتسهيل حصول شركة تكنيكا الهنغارية على منفعة وربح مالي على نحو مخالف للفكرة الأساسية محل اعتماد وتفويض وزير الدفاع، فاتجهت إرادته بنية الإضرار العمدي بمصالح الدولة إلى إتمام إبرامه بتاريخ 20 مارس 1994 في مغامرة اقتصادية ومالية وتجارية غير متوازنة مع توافر العلم الكامل لديه بأن البنود الثابتة بصيغة العقد النهائية المُودع لدى الوزارة تُرتب التزامات مالية مجحفة على عاتق وزارة الدفاع.تقاعسوتُحقق للشركة المتعاقد معها مركزاً قانونياً متقدماً في حال عدم تنفيذه، فتقاعس متعمداً في عدم تنفيذ الشرط المعلق المنصوص عليه في المادة 30/2 من العقد والذي يُلزم وزارة الدفاع الكويتية بسداد دفعة أولية قدرها مليونا دولار أميركي لمصلحة الشركة المتعاقد معها حتى تاريخ استحقاقها في 20 أبريل 1994، وبفوات ذلك الميعاد لايمكن لباقي بنود العقد المتعارضة أن تدخل في طور التنفيذ بسبب اضطرابها، وقامت الشركة المتعاقد معها بالمطالبة بتعويضات مالية ناجمة عن هذا الإخلال العقدي والتي جعلت وزارة الدفاع عاجزة عن العمل على تسويتها وعلى وجه الخصوص ما ورد في المادة 11 من العقد بتدبير كمية من الذخائر كحد أدنى بقدر 200 ألف طن والمقدرة بمبلغ 200 مليون دينار كويتي، في حين أنه يعلم بحقيقة صعوبة تقدير كميتها وقيمتها لطبيعة تلك المواد وسوء تخزينها وتعرضها لعوامل خارجية، الأمر الذي يؤدي إلى نقصانها فأبلغ الجاني مقصده وتكبدت الدولة من منازعة تحكيمية حتمية محسومة النتيجة المبلغ الصادر من هيئة التحكيم الدولية في قرارها النهائي الذي لايقبل الطعن لمصلحة الشركة المذكورة بمبلغ يعادل 103/6.744.144 د.ك وفوات الإيراد المتوقع من هذا المشروع، فكان هذا الفعل من شأنه بالتأكيد الإضرار بمصالح البلاد المالية والاقتصادية والتجارية.
محليات
الجنايات تطلق مفاجأة من العيار الثقيل في قضية مخلفات الغزو: السجن المؤبد لوكيل الدفاع السابق وإلزامه برد 19 مليون دينار المحكمة: الداوود أضر بمصالح الدولة وغامر باقتصادها وتعمد الإضرار بها
01-10-2007