فرقة الجيل الواعي بحثت عن موقع لتقديم أعمالها المسرحية، فوجدت ضالتها في حديقة، وعرضت لمرتاديها بالمجان، سعياً إلى جذب الجمهور نحو الأعمال المسرحية القيمة. استخدم المخرج حسين المسلم ما يطلق عليه مسرح القهوة في مسرحية «حلم السمك العربي» في حديقة جمال عبد الناصر، مثل ما قدمه الفنان عبد الرحمن أبو زهرة من خلال عرضه «إني أعترض»، وذلك بقهوة ماتاتيا.المسلم استغنى عن العلبة الإيطالية بسبب الأزمة التي يعيشها المسرحيون منذ ستينيات القرن الماضي، وهي عدم توافر صالات عرض مسرحية تواكب الأعداد الهائلة من المسارح الخاصة.سبق للمسلم أن قدم العرض نفسه في يوليو 2002 مستخدماً خشبة التمثيل الشريطية وهي أشبه بالخشبة الوسطية في الخشبات المقفولة ويجلس المتفرجون على جانبيها، بهدف إدماج المتفرجين مع الممثلين في نسيج العرض.نص المسرحية اعتمد أسلوب دراما المأثورات الشعبية، ومعالجة التقاليد والمواقف ومتاعب الجمهور.واستطاع المؤلف أن يولف بين الموروثات والحكايات الشعبية مستحضراً الأسطورة الخليجية «بودرياه» لحل مشكلة نفوق الأسماك، فالأمل بالأجيال القادمة،والدعوة إلى صحوة عربية بعد أن خدِّرت إعلامياً عبر فضائيات تافهة، لأن جيل اليوم ليس قادراً على تحرير فلسطين، وعلى العرب تهيئة الجيل القادم ليقوموا بالمهمة التي فشلوا بها، كما أضاف بعض القضايا الحديثة مثل الصراع بين فتح وحماس، والسخرية من أوبريت «الحلم العربي» بهذه الكلمات: «أجيال ورا أجيال عايشين على لحمنا بس النفوق اليوم طيَّح والله حظنا، لازم نطلع في الليل علشان نشوف أهلنا لكن المد الأحمر حابس فجرنا،... قادونا للأوهام، صبغونا بالألوان، ضيعونا عن دربنا، لازم ظلام الليل ينزاح على فجر جديد، لا بد نعد الخيل ونكسر قيودنا، ده بحرنا وفيه حلمنا وحضن يضمنا كلنا كلنا». إذن هناك حبكة درامية مصنوعة بحرفية، أما الإخراج فقد أراد المسلم تطبيق نظريته المسرح العربي الحي، بعد الجهد المضني لسنوات، باحثاً عن البديل للعلبة الإيطالية، ليقدم رسالة هادفة خلال قضية عربية آنية، وبما أن الإنسان العربي يحب الجلوس في الديوان وشرب القهوة، انطلق من هذا المدخل ليدخله في اللعبة المسرحية مستعيناً بمسرح القهوة.أجمل ما في العرض ذلك التنوع في التمثيل الرومانسي والاستضحاكي والخطابي، والاستعانة في بعض المواقف بمسرح التعزية.والإضاءة الانتشارية كانت مقصودة بهدف إدماج المتفرج بالعرض، وتنوع البقع الضوئية الحمراء والصفراء دلالة على الخطر الذي سيفتك بالجميع إذا لم يصحُ العرب من سباتهم العميق.أما المؤثرات السمعية فكانت في السواد الأعظم حية، فوفق المسلم في توظيف الفنون الكويتية الغنائية مثل النهمة البحرية و الفن العاشوري، والإيقاع الزخرفي، إضافة إلى توظيف فن «الراب» الغربي كإسقاط على الوضع العربي الراهن.إذن الإخراج حقق المعادلة الإيقاعية المتناغمة والمتجانسة بين عناصر العرض المسرحي.أجاد اللاعبون تمثيلهم وعلى رأسهم الفنان القدير أحمد الصالح في شخصية الش يخ ياسين، وتميز منهم يوسف الحشاش، وعبدالله التركماني «صبي القهوة»، وعصام الكاظمي في دور الضمير العربي الحي، وسعود القطان «بوشلاّخ»، وعبير يحيى، والوجه الجديد نورهان.
توابل - مسك و عنبر
حلم السمك العربي عرض هجر العلبة الإيطالية واستعان بـ القهوة
09-08-2007