باندلاع كارثة حرائق اليونان، تكون حكومة كرامنليس أمام مدافع النقد الشديدة نظرا إلى طريقة تعاملها البطيء مع الحرائق، إذ جاءت قرارات الطوارئ متثاقلة. كما أن استدعاء العالم الخارجي، خصوصا الاتحاد الأوروبي، لم يكن متناسباً مع حجم الحرائق، فبدت القدرات الداخلية أضعف من مستوى سيطرتها على الكارثة.

Ad

كما توقعت مؤشرات الاستطلاع أن حظوظ حزب «الديموقراطية الجديدة» كان أفضل من خصمه التاريخي حزب «الباسوك»، وإن بدا أن التباين في عدد الناخبين هذه المرة لن يكون شاسعا. وسواء فاز اليمين أو اليسار، فذلك ليس بجديد، في عملية احتكار تداول السلطة بين هذين الحزبين المتنافسين في الساحة السياسية اليونانية.

لقد تميزت الحملات الانتخابية اليونانية شهر سبتمبر من العام الجاري 2007 بحرارة استثنائية، حرارة الصيف وحرارة الحرائق، فقد جاءت الانتخابات في ظرفين استثنائيين؛ الأول، اختصار المدة الانتخابية والذهاب إلى صناديق الاقتراع في وقت مبكر قارب الستة أشهر. والأمر الثاني، هو غضب اليونانيين من جراء الحرائق الكارثية التي نشبت في منطقة «البيلوبونيز» وغيرها من المناطق، فقد وصفتها وسائل الإعلام الأوروبية بأنها أكبر كارثة أصابت البيئة في تاريخ أوروبا المعاصرة كله، بينما وصفها اليونانيون بأنها أكبر مأساة حلت في تاريخ اليونان بأسره.

وقد سبقت النيران السياسية الأراضي اليونانية قبل أن تغزوها لهيب النيران الطبيعية القادمة من مجهول غامض، حيث لا تزال الأصابع موجهة إلى من يهمه الأمر، باعتباره متهماً في لعبة الحرائق المهلكة والمدمرة.

ولقد وصفت حرائق «البيلوبونيز» بنعوت عدة، كان أبرزها نعت لعجوز عند رده على أسئلة في مقابلة تلفازية عندما قال «إنها أشبه بالحرب، لكنها من دون بنادق». وبالفعل عندما يمر شريط العدسة وهو يلامس أجساد الغابات المحترقة والسيارات والبيوت المتفحمة، نشعر كأنها قنابل حارقة سقطت من طيران عدو مقاتل. وبعد إخماد الحريق تم إحصاء أكثر من 120 قرية أصيبت، بين دمار جزئي ودمار كلي.

وفي جردة حساب مالية عاجلة من فريق فني أشار إلى أن الخسائر وفق التقديرات الأولية بلغت ما يقارب المليار ونصف المليار يورو. تُرى لماذا غضبت الإلهة ايفاستوس (إلهة النار في الميثولوجيا الإغريقية) على أبنائها، وعجز برميثيوس بطل النار عن مقاومة لهيبها المتنقل مع رياح لولبية متحركة، وكأنما نيران الغابات كانت تتجاور مع نيران الانتخابات وصراعها، فوجدت الأحزاب المتنافسة فرصتها في تحميل الحزب الحاكم مسؤولية الإخفاق في مواجهة الأزمة، كجزء من أزمة أوسع، فحكومة غير مستقرة لا يمكنها مواجهات أزمات عصيبة. بهذا الخطاب يصيح كوستاس كرامنليس في حملته الانتخابية للجماهير المحتشدة، في جولة ماراثونية في تسالونيكي في شمال اليونان، مطالباً الجمهور بالتصويت لمصلحة الحزب وبرنامجه وحكومته بقوله «لكي نتخطى الأزمة ونضع أيدينا على لب المشكلة».

كانت مناشدة حزب الديموقراطية الجديدة تبعث برسالة إلى الجوار اليوناني كأزمة قومية وخارجية تهم مشاعر المقدونيين في الضفة اليونانية، مذكراً بأن من يختلقون أزمة مقدونيا في يوغسلافيا المفككة ليس من مصلحتهم إثارة غبار الماضي، وخلق مشكلات حدودية لا معنى لها، فذلك يعارض المسيرة الأوروبية ووحدتها ومؤسساتها الدستورية.

وعلى النقيض من كرامنليس رئيس الوزراء، كان باباندريو رئيس حزب الباسوك (الاشتراكي) يخطب بحماس في أثينا قبل يومين من الاقتراع، معلناً أنه حان الوقت لرحيل حزب الديموقراطية الجديدة (اليمين) الذي عجز عن إدارة البلاد، وعطل مشاريعها التنموية، ومن الضروري الإصلاح السياسي في اليونان، لكي تمضي نحو قاطرة الاتحاد الأوروبي من دون أزمات اقتصادية ومعيشية وبيئية مستفحلة. وباندلاع كارثة الحرائق تكون حكومة كرامنليس أمام مدافع النقد الشديدة نظرا إلى طريقة تعاملها البطيء مع الحرائق، وإلى قرارها المتراجع في التحرك لاحتواء لهيب النيران، فجاءت قرارات الطوارئ متثاقلة. كما أن استدعاء العالم الخارجي، خصوصا الاتحاد الأوروبي، لم يكن متناسباً مع حجم الحرائق، فبدت القدرات الداخلية أضعف من مستوى سيطرتها على الكارثة. ما يهم المعارضة السياسية في الشارع اليوناني هو اصطياد مزالق ونقاط ضعف الحكومة، التي يقودها حزب «الديموقراطية الجديدة»، وهو من الأحزاب اليمينية المحافظة. ومن سوء القدر أن مناطق الحريق تعتبر واحدة من أكثر المناطق ارتباطاً بتقاليدها المحافظة وتأييدها اليمين الحاكم، مما أدى إلى تراجع ناخبيه بقدر لا يحسد عليه، مما سيؤثر في نتائجه الانتخابية، إذ من المتوقع ألا يحرز أصواتاً تؤهله بمفرده لتشكيل الحكومة، فما بالنا بمناطق اليونان كلها، إذ كانت موجات الاحتجاج والتظاهر تعلن بأصوات صاخبة سقوط الحكومة، وضرورة تنحيها لعجزها عن إنقاذ حياة أناس كثيرين وتشريد الآلاف من سكان المناطق المتضررة. وعلى أنقاض الخرائب والحرائق تصعد بورصة الساسة أو تنهار، بينما الرياح المدمرة للحرائق كانت تهز البلاد. وإذا كانت حرائق الغابات ستأخذ وقتها للانطفاء في نهاية المطاف، فإن حرائق السياسة لا تخمد أبداً. فهي لا تعرف الأخضر ولا اليابس.

* كاتب بحريني