سوق الشورجة من أسواق بغداد القديمة والمشهورة، والتي يعود تاريخ إنشائه إلى العصر العباسي، وحين تتجول في أرجائه تشعر كأنك تعيش في أعماق التاريخ فتأخذك الأيام إلى الماضي التليد. كان يسمى قبل ذلك بزمن طويل بـ«سوق الرياحيين» ثم استبدل باسم سوق العطارين، عندما ادخلت التوابل والبهارات الى العراق عن طريق الهنود الوافدين اليه، والعطاريات تشمل التوابل والاعشاب، فمنها الغذائية ومنها الطبية، وكل منها لها استعمالاتها واستخداماتها المختلفة سواء في الطعام او في علاج الامراض. وما ان تطأ قدماك سوق الشورجة حتى تشدّك اليه رائحة توابله الذكية ونكهة اعشابه الطيبة ومنظر شموعه الملونة المدلاة بشكل أنيق وجميل.وتعرض هذا السوق كبقية الاماكن العراقية خلال الفترة الماضية لتسعة تفجيرات حصدت العشرات من الارواح وخلفت الدمار في بعض مبانيه وازقته، وكذلك تعرض الى اربعة حرائق نالت منه ومن بضائعه.واختلف المؤرخون والباحثون في اصل تسمية الشورجة وتعددت آراؤهم، فالشيخ جلال الحنفي يؤكد ان كلمة الشورجة منحدرة من كلمة «شوركاه»، وهي مفردة تركية اي محل الشورة او (الماء المالح) اذ كانت محلة الشورجة قديما بئرا او بركة ماء فحرّفت إلى الشورجة. ويضيف الشيخ الحنفي ان منطقة الشورجة كانت منطقة مستنقعات وجاءت التسمية من بيع دهن (الشبرج) فيها. اما الباحث سالم الالوسي فيقول ان اصل كلمة الشورجة جاءت من (الشبرج) وهو «دهن السمسم» اذ كانت في السوق معاصر خاصة للسمسم والاسم ينسب إلى الشبرجة او الشرجة التي حُرفت إلى الشورجة. ويقول الحاج صالح عيسى وهو من الذين عاصروا سوق الشورجة منذ بدايات القرن الماضي ان هذا السوق المتعارف عليه الان باسم الشورجة هو ليس الشورجة، وانما هو الذي يبدأ من شارع الملك غازي (الكفاح حاليا) حتى مدخله في شارع الرشيد عند جامع مرجان. وكانت فيه معالم بارزة شاخصة للعيان تهدّم وانقرض بعضها في فترات مختلفة من الزمن اذكر منها، خان الدجاج وحمام الشورجة وسوق التمارة وسوق الغزل وسوق العطارين وعلاوي الشورجة وخان مخزوم وبنات الحسن ومرقد الحسين بن الروح احد السفراء الاربعة للامام المهدي (عليه السلام)، وهو من علماء بغداد في القرون الماضية. ويضيف قائلا في مذكراته، كتب التاريخ تحدثنا ان هذا السوق العريق نشبت فيه حرائق عديدة بسبب تكديس البضائع فيه. ففي زمن الوالي جمال باشا السفاح التهمت النيران سوق العطارين وامتدت ألسنة النار إلى جامع مرجان ودام الحريق أكثر من اسبوع. والشورجة سوق تراثي وشعبي عند البغداديين فاغلب البيوت البغدادية تجري سعيا اليه والتبضع فيه خصوصا في ايام رمضان والمناسبات والاعياد اذ تكثر الشموع والتوابل بانواعها ومستلزمات الاعراس والافراح كافة، حتى في ظل الظروف الصعبة التي مر بها العراق بسبب الانفلات الامني ووجود العناصر المسلحة، كانت الاسر البغدادية تذهب الى سوق الشورجة وتتسوق منه ما تريد.وفي الآونة الاخيرة تعرضت بعض مبانيه القديمة للهدم، مثل الخانات التراثية القديمة كخان الاغا الصغير وبعض المباني القديمة الاخرى المجاورة. وقد عثر فيها على عدد من آبار الماء المالح، وهذا يؤكد ان التسمية صحيحة. يضم سوق الشورجة عدة فروع، وهي اسواق متخصصة تزيد على (19) فرعا،ً منها سوق الصابون وسوق التوابل وسوق القرطاسية وآخر للزجاجيات و«الفرفوري والفافون» إلى غير ذلك... وله من الخانات 13خاناً منها خان لاله الصغير، وخان جني مراد، وسبب تسمية الخان بـ «جني مراد»، هو انه عند احتراق الخان وانهيار بعض جهاته ظهر وراءها بناء، فتخيل الناس ان البناء الذي ظهر هو من عمل الجن، ثم خان الامين وخان الاغا الكبير، ومن الجوامع 4 جوامع منها جامع النخلة وجامع النوبجي، ومن الحمامات حمام السيد يحيى وحمام البقال خانه. اما المقاهي فقد كان هناك اثنان (مقهى المعلكة) ذلك لانها تقع على سطح احدى العلاوي، وقهوة قدوري التي كان يرتادها قراء المقام، وفيها قرأ المقام عبد الرزاق القبانجي والد الفنان المرحوم محمد القبانجي. يعد سوق الشورجة مركزاً تجارياً كبيراً لعموم العراق، إلا أن خبراً تسرب أخيراً إلى معظم أصحاب المحال التجارية، وهو ان سوق الشورجة سوق ينقل إلى منطقة بعيدة عن مركز بغداد، وسيكون موقعه الجديد في مدينة الصدر، وذلك لتخفيف الازدحام الحاصل في شوارع الجمهورية والرشيد والكفاح، ولاسيما ان هذا السوق يمتد عرضاً ليشمل ثلاثة شوارع في آن واحد. وهي في قلب العاصمة بغداد.وتغيرت ملامح هذه المنطقة وامست بعد الحرب مهملة تكثر فيها النفايات والانقاض وتجتاحها المياه الثقيلة والحواجز الكونكريتية والمباني المهدمة ويسودها الاضطراب والفوضى.
دوليات
سوق الشورجة... رئة بغداد النابضة
29-11-2007