يعد هدف تنمية السمعة الدولية أحد أهم الأهداف المصرية من العلاقات مع آسيا؛ إذ إن آسيا هي أكبر قارة من حيث عدد السكان والمساحة، وهي فضلاً عن ذلك تمتلك أكبر المجموعات التصويتية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. تعتبر مصر من البلاد القليلة في العالم التي تقع في قارتين، مثل روسيا التي تقع في أوروبا وآسيا وتركيا التي تقع أيضاً في أوروبا وآسيا، إذ إن شبه جزيرة سيناء تقع بالكامل في قارة آسيا، وتأسيساً على ذلك ترتبط الجغرافيا المصرية ارتباطاً عضوياً بجغرافية آسيا منذ قديم الزمان، وتمتد إلى اللحظة التاريخية الراهنة. ولأن الجغرافيا هي قدر الأمم، فقَدَر مصر أن تكون آسيا جوارها وقَدَر آسيا أن تكون مصر هي نقطة اتصالها مع أفريقيا وبوابتها إليها، ويخبرنا التاريخ في درس دائم أن الصعود الإقليمي لمصر ومنذ عصر الملك العظيم رمسيس الثاني مروراً بعصور الفاطميين والمماليك حتى محمد علي والزعيم جمال عبدالناصر في العصر الحديث، كان مرتبطاً بتمدد الدور المصري نحو الشرق، أي نحو آسيا. كما أن الهوية العربية الإسلامية التي هي مكون أساس للهوية الوطنية المصرية هي هوية آسيوية في جانب كبير منها، وبالتالي فعلاقات مصر الآسيوية كانت ومازالت ويفترض أن تكون جزءاً ضرورياً ومكوناً مهماً من مكونات السياسة الخارجية لجمهورية مصر العربية. تتنوع المصالح المصرية في آسيا فهناك بُعد المناورة الاستراتيجية وهو بُعد مهم، بسبب أن آسيا البازغة على مسرح السياسة الدولية هي ميدان رئيسي لتنويع البدائل السياسية في عصر القطبية الأحادية التي يشهدها العالم منذ انهيار دول الكتلة الشرقية. وإن كانت الصين واليابان على وجه الخصوص لم تصلا بعد إلى مرحلة القطب على الساحة العالمية، إلا أن تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية معهما هي استثمار حقيقي في المستقبل، وتدل المؤشرات الاستراتيجية إلى إمكان وصولهما إلى هذه المرحلة في غضون فترة تتراوح ما بين 15 إلى 25 سنة على الأكثر. ولا تفوت ملاحظة أن عامل تنوع البدائل السياسية والاستفادة منها وتوظيفها لمصلحة أهداف مصر العليا هي ركن أساس في السياسة الخارجية المصرية منذ العام 1952 على الأقل، كما أن الدول الإقليمية في القارات المختلفة تسعى إلى تنويع بدائلها السياسية لتجنب الضغوط الدولية والوصول إلى أنسب الحلول لمصالحها الوطنية في المواقف والأزمات المختلفة.يعد هدف تنمية السمعة الدولية أحد أهم الأهداف المصرية من العلاقات مع آسيا؛ حيث إن آسيا هي أكبر قارة من حيث عدد السكان والمساحة، وهي فضلاً عن ذلك تمتلك أكبر المجموعات التصويتية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ولذلك من هنا فإن تنمية السمعة الدولية لمصر في آسيا هي أحد المحاور الرئيسة لضمان الاحتفاظ بالمواقع المتميزة لمصر على المستويين الدولي والإقليمي وفي المنظمات الدولية المختلفة، وكانت الأصوات قد تعالت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية بتوسيع العضوية في مجلس الأمن، بحيث يضم دولا إقليمية لها وزنها مثل البرازيل من قارة أميركا اللاتينية ومصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا من قارة أفريقيا والهند واليابان من قارة آسيا وألمانيا كقوة عظمى من قارة أوروبا، كأعضاء دائمين في مجلس الأمن.ومن الطبيعي ووفقاً لموازين القوى الدولية ألا تحظى أفريقيا بثلاثة مقاعد مرة واحدة في تشكيلة مجلس الأمن الجديد، وهنا تكون المفاضلة بين الدول الثلاث وأيهما تختار الأسرة الدولية، وبالتالي فالسمعة الدولية لكل من هذه البلدان الثلاثة هي عامل حاسم من عوامل المفاضلة والترجيح، كما أن السمعة الدولية الإيجابية تعود إيجابياً على أنشطة الدولة كافة ومواطنيها وعلى الاقتصاد والسياسة الخارجية.العامل الثالث في حزمة المصالح المصرية العامة في آسيا، هو عامل استخلاص الدروس من النماذج التنموية الآسيوية، فالدولة في النماذج التنموية الآسيوية أدت دوراً كبيراً في قيادة عمليات التنمية الاقتصادية، ودفعت القطاع الخاص إلى التنمية في المجالات ذات الأولوية، في الصناعة أساساً ومعها قطاع الزراعة وقطاع الخدمات. والتجربة التاريخية لآسيا في النصف الثاني من القرن العشرين تقول إن التنمية الاقتصادية وفلسفتها قامت أولاً على تنمية الموارد الذاتية، وثانياً على التصنيع الموجه للتصدير، وهو ما يتناقض مع الوصفات الجاهزة التي ما انفك صندوق النقد الدولي ومعه البنك الدولي يقدمانها الى دول العالم الثالث. ويلاحظ بوضوح أيضاً على هدي التجارب التنموية الناجحة في آسيا أن سياسة فتح الأسواق الوطنية لابد لها أن تترافق مع شروط وإجراءات لحماية الصناعة الوطنية، وللتدليل على النجاح النسبي للتجارب التنموية الآسيوية في النصف قرن الماضي مقارنة بالتجربة المصرية أو العربية نسوق مثال مؤشر دخل الفرد، حيث بلغ دخل الفرد السنوي في مصر بالعام 1960 نحو 200 دولار في مقابل 80 دولاراً فقط لكوريا الجنوبية في العام ذاته، صحيح أن الظروف العامة والتجربة الذاتية لكل من البلدين اختلفت كثيراً، وصحيح أن مجابهة مصر للعدوان الإسرائيلي على مدار سنوات طويلة قام بالتأثير سلباً على إمكانات التنمية؛ إلا أن مؤشر دخل الفرد المذكور يؤكد بالرغم من ذلك نجاعة نموذج التنمية الكوري مقارنة بما تحقق في مصر.أما العامل الرابع في حزمة المصالح المصرية في آسيا فهو التجارب الناجحة للتكتلات الإقليمية وعبر الإقليمية في آسيا، ومنها التكتلات الإقليمية لرابطة دول جنوبي شرقي آسيا (الآسيان) ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (الساراك)، والتكتلات عبر الإقليمية مثل مجلس التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (آبيك) ورابطة دول المحيط الهندي للتعاون الإقليمي. ونجاح هذه التكتلات يعطي دروساً لمناطق جغرافية أخرى في العالم ومنها منطقتنا في كيفية علاج المشاكل التي تعوق العمل المشترك في التكتلات العربية والشرق أوسطية والأفريقية، وهي المشاكل التي تجعل الإعلانات والبيانات الختامية الصادرة عنها حبراً على ورق، وتعني الاستفادة من التجارب الناجحة للتكتلات الآسيوية تعظيم القدرات الذاتية للدولة وارتقاءها في سلم التطور السياسي والاقتصادي وبالتالي المكانة الاستراتيجية نظراً لترابط السياسة والاقتصاد والاستراتيجيا. خامساً المصالح الاقتصادية إذ تمثل الاستثمارات الآسيوية حجماً معتبراً من جملة الاستثمارات العالمية، ولذلك من الضروري أن تحاول مصر اجتذاب هذه الاستثمارات والإفادة من التقدم التكنولوجي الآسيوي، وتشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمارات الآسيوية غير العربية في مصر لا تتجاوز سقف المليار دولار فقط، وهو حجم ضئيل للغاية من إجمالي الاستثمارات الآسيوية في العالم، ويرجع ذلك الى أن الدول الآسيوية تولي اهتماماً أساسياً لمصر كبلد مستقبل لصادراتها. تأسيساً على كل ما سبق لابد من رفد العلاقات المصرية مع دول آسيا بعلاقات مصالح متبادلة، لأنه من دون خلق هذه المصالح تظل العلاقات بين الدول مجرد علاقات احتفالية وبروتوكولية فقط. * كاتب وباحث مصري
مقالات
العلاقات المصرية-الآسيوية: تحقيق المصالح في عالم متغير
16-09-2007