من حسن الحظ أن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن غادر الكويت سريعا، ولم يتسن له الاطلاع على المشروعات الحضارية والثقافية في الكويت، وإلا لكان على المسؤولين تنظيم جولة مدهشة للرئيس الزائر تأخذ بالألباب، ابتداء من «التريض في الجواخير»...في منطقة كبد، وزيارة المخيمات في الجليعة والصبية والمطلاع، خصوصا مع تزامن زيارته مع موسم التخييم، ومشاهدة «التقحيص» بالسيارات، مرورا بمواقع «الخرابات» في منطقة شرق، وانتهاء بتجربة «النارجيلة» في مقاهي منطقتي خيطان وجليب الشيوخ.

Ad

أثناء زيارته الخليجية، ربما تذكر الرئيس الاميركي مدينتي أبوظبي ودبي في الامارات، بعد أن أذهلته المشاريع الثقافية والسياحية، لاسيما زيارته الى المنطقة الثقافية في جزيرة «السعديات» التي تضم متحف الشيخ زايد الوطني ومتحف جوجنهايم أبو ظبي، ومتحف اللوفر أبو ظبي، والمتحف البحري، إضافة الى دار المسارح والفنون التي تضم خمسة مسارح ذات تصاميم عالمية، حتى أن صحيفة «وول ستريت جورنال» اختارت جزيرة السعديات «احدى أفضل عشر مناطق سياحية مستقبلية على مستوى العالم».

وأعرب الرئيس بوش عن إعجابه بالتصاميم المعمارية للمتاحف المختلفة، ودار المسارح والفنون التي يتم انشاؤها ضمن المنطقة الثقافية، واعتبر ان كل تصميم يمثل «تحفة معمارية بحد ذاتها» مثنيا على تصميم متحف «جونجهايم أبو ظبي» الذي صممه المعماري الشهير فرانك غيري، وهو الوحيد في الشرق الاوسط والأكبر في العالم، واصفا الفترة الزمنية المحددة لانجاز المرحلة الاولى من المشروع عام 2012 بأنها «عمل مدهش اختصر أعمال عقد من الزمان».

«المدهش» في الكويت، أن المتنفس الوحيد لزوارها وسكانها، ليس سوى زيارة المجمعات التجارية، والمرور بين المطاعم والمقاهي وركوب الفراغ القاتل، بعد أن وئدت مشاريع سياحية وثقافية كثيرة، وأغلق البلد وعزل نفسه عن الحاضر، وازدهرت سياحة «الغيبيات» والانغلاق، وشاعت الكآبة في أوساط الكويتيين والمقيمين، بفعل سيطرة المشروع الظلامي الانعزالي لشباب الصحوة ووكلاء طالبان، وغياب «مشروع» واضح لدى المسؤولين لإنعاش الكويت من غيبوبتها الحضارية، حتى بات الكويتيون يخجلون من وضع الكويت، ويشعرون بالأسى وهم يشاهدون تخلفهم، ويغادرون البلاد في أي فرصة تسنح لهم.

الكويت التي قادت منذ أربعة عقود قاطرة التنوير وتأسيس الفنون بمختلف أنواعها في منطقة الجزيرة العربية والخليج، وأطلقت شرارة التحديث والتطوير منذ أكثر من نصف قرن، باتت خالية من أي معلم أو صرح ثقافي يمكن أن يوضع على أجندة الزائر للبلاد، فجزيرة فيلكا وآثارها مازالت تنتظر مشروعها الموعود منذ منتصف التسعينيات، وبعد نصف قرن من الحركة المسرحية المتميزة في الكويت لا يوجد مسرح يناسب العصر تصميما وتجهيزا، والمناطق الحضرية تحولت الى معلبات، من دون أي لمسة جمالية أو ثقافية. ووسط المدينة يحتضر من الاختناقات المرورية والتلوث، بعد تعطل مشاريع النقل الجماعي الحديث.

لم يعد أمام المسؤولين عند وصول الوفود الرسمية، سوى اصطحاب الضيوف الى المعالم السياحية المتوفرة، بزيارة «سوق الجمعة» ثم الانتقال الى «سوق الحمام» وتبادل النوادر مع «المطيرجية»...والذهاب الى شمال البلاد لمتابعة «هجيج الأبل»...وحضور أحد عروض أعضاء مجلس الأمة البهلوانية... على أن تنتهي الجولة السياحية بحضور «قعدة» في أحد «جواخير»...كبد لاند!

... حسافة!