يطلق على هضبة التبت سقف السماء، باعتبارها ارفع نقطة في العالم، فهل بإمكاننا أن نرفع رؤوسنا هناك فيما وراء السقف أم أننا ممنوعون من نقد حكومة الإدارة المحلية الصينية؟

تناهبت التبت في القدم سلالات عدة من الصين والمغول والهند، لكنها ظلت تحتفظ بخصوصيتها، «ودلايالاماتها» الأطفال الرمزيين والرجال الفعلين، كونهم يمثلون السلطة الروحية والسياسية لشعب الهان التبتي فيها.

Ad

وقد رحب التبتيون بأول بعثة تبشيرية أوروبية من البرتغاليين فبنوا أول كنيسة فيها سنة 1624، ثم دخلها عام 1850 الانكليز، فالنبيل الاسكتلندي عام 1775 لبناء علاقة تجارية لشركة الهند الشرقية، وهو أول من جعل التبتيين يعرفون مذاق البطاطا، ثم طرد التبتيون الانكليز وغيرهم وأغلقوا حدودهم ومنعوا الأجانب من دخولها، لكن الانكليز قاسوا خفية عبر جواسيسهم المدربين في عام 1865 حدود التبت، التي ستكون مشكلة المشاكل بين ثلاثة أطراف، شعبها الأصلي والهند والصين، حيث ستدخل عام 1962 الهند والصين حربا حدودية.

وفي أوائل القرن التاسع عشر حتى العقدين الأولين من القرن العشرين، امتد نفوذ الانكليز ليس في شمال الهند وحسب، بل تعداها إلى الهيمالايا وأفغانستان، بينما كانت القوة الروسية القيصرية تزحف جنوبا باتجاه آسيا الوسطى. وبإمكاننا تخيل أهمية الموقع الاستراتيجي للتبت التي تقع بين حدود مهمة كالصين والهند واسيا الوسطى وروسيا.

وتقاسم الصين والانكليز التبت وحددوا الترسيمات، وعينوا شكل الإدارات المحلية، فلم يكن للتبتين قط دور مستقل لبلادهم الشاسعة، كما تعرضت للمذابح على يد الطرفين، ولم يتوقف الدم التبتي قط عن النزيف، فتناسوا أهمية أن تكون لهم دولة مستقلة، وقبلوا بان يصبحوا جزءا من الحكومة الصينية، شريطة أن يعطَوا المزيد من الحكم الذاتي.

وقد كرر مرارا في السابق الدلاي لاما الرابع عشر هذه التصريحات، فقد اكتشف أن توازن القوى بين حكومة بحجم الصين والمعارضة البوذية التبتية المقسمة، لا يتيح لها أن تدخل في صراع عنيف، ومنذ مذبحة عام 1959 وما سبقها وتلاها من تجارب مؤلمة نزف التبتيون بسببها الكثير من الويلات، إذ كلما مرت الصين بتجربة داخلية مريرة انعكس على أوضاع التبت، فمع انتصار الثورة بدأت القيادة تفكر في الأهمية الجيو سياسية للتبت، وبدأت الاهتمامات الديموغرافية في تغيير التوازن السكاني بين عدد المستوطنين من الصينيين والسكان الأصليين، بل وتم تقسيم التبت إلى جزأين شمالي وجنوبي، غير أن الزحف الاستيطاني الصيني تواصل خلال النصف قرن، وتبدلت التركيبة الاجتماعية والتفاوت الاقتصادي بين الاثنيات التبتية والصينية القادمة بكثافة بعد الثورة الصينية.

ما فعله الحرس الأحمر وطلاب الجامعات المتطرفون في المدن الصينية من تصفيات دموية باسم الثورة الثقافية، لم تنج منه التبت تماما، فتعرضت كل الموروثات البوذية والدينية إلى الإبادة الثقافية، وتم الاحتفاظ بما هو مهم وتاريخي لا يمكن المساس به، وفي ذات الوقت ذاته لم ينج الرهبان والراهبات من القتل والسجن والمطاردة وتعريضهم للتنصل من ديانتهم.

من يقرأ تاريخ التبت القديم والمعاصر، يلمس مدى التقاطع والتداخل والاختلاف بين ثقافات تلك المساحة الجغرافية الواسعة القريبة من الهند والصين، ويكتشف مدى اتساع الأرض وقلة السكان قياسا بالحجم المهول، ومع التقسيم واللعبة الديموغرافية المنظمة، يكتشف أن التبتيين باتوا سكانا من الدرجة الثانية، وعرضة لطمس ثقافتهم بهدوء حتى تتحول إلى جزء ضائع في المحيط الصيني الضخم.

ما نسمعه من تهم متبادلة بين الصين والمعارضة التبتية يخفي حقيقة واحدة، وهو حقوق السكان الأصليين في بلادهم، وفي حقهم في أن يديروها ضمن الشرعية الدولية وتقرير المصير.

ما فعله الصينيون من رفض الاعتراف بكوسوفو ليس حبا في صربيا ولا غيرها من بلدان، إنما خوفا من إثارة المسألة في تايوان والتبت، لهذا رأت الحكومة المركزية في بكين أن المعارضة ليست إلا زمرة وبطانة للدلاي لاما، وبأنها جماعة تدعو إلى الانفصال عن البلد الأم، وهي حجة ثابتة في الصين، وكأنها تخشى من تحكيم دولي في المسألة، فقد قررت أن التبت حق تاريخي للصين، وهي الجزء الخاضع للتقسيم البريطاني في مراحل تاريخية مختلفة.

ما شاهدناه من تخريب وتكسير من مجموعات قليلة يقودها الرهبان، قياسا بقوة عسكرية هائلة بإمكانها تدمير ليس لاسا العاصمة، بل كل الجماعات التبتية المعارضة للتكاثر الاستيطاني الصيني، فهل نلوم الدلاي لاما وحكومة المنفى الصورية القابعة في الهند عندما يناشد الصين والمحتجين بعدم استخدام العنف، وبأهمية تدخل جهات دولية لتحديد مصير سكان التبت.

ومن راهن على أن التحرك والتوقيت في لاسا سيحققان نتائج ايجابية، كالتأثير على الاولمبياد فهو واهم، فيكفي أن نقرأ تعبيرات الرئيس الأميركي بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس التي طلبت من الصينيين ضبط النفس، متناسية أن الصينيين تلامذة جيدون لذلك النهج، منذ أن حفظوا تعاليم معلمهم كونفشيوس ولاوتسي، لهذا منحوا المتظاهرين مهلة وتسليم أنفسهم، لكي يعاملونهم برأفة، فأتساءل: ترى هل هناك معاملة أخرى غير الرأفة خلف جدران مظلمة؟!

* كاتب بحريني