ينتمي هذا النص إلى نمط من الكتابة الإبداعية يمكن تسميته بـ «الأدب العجائبي» أو «الأدب الخوارقي». هنا يجمح الخيال الخلاق مخترقاً حدود المعقول والمنطقي والتاريخي والواقعي، مخضعاً كل ما في الوجود، من الطبيعي إلى الماورائي، لقوة واحدة فقط: هي قوة الخيال المبدع المبتكر الذي يجوب الوجود بإحساس مطلق بالحرية المطلقة. يعجن العالم كما يشاء، ويصوغ ما يشاء غير خاضع إلا لشهواته ولمتطلباته الخاصة ولما يختار هو أن يرسمه من قوانين وحدود. إنه الخيال جامحاً، طليقاً منتهكاً.

لعل أبرز ما يلفت في مستهل النص الطليق الراهن استخدامه لعبة التوثيق التاريخية التي ارتبطت في تراثه بالمقدس وتأسيسه وتوثيقه وترسيخه، وهي آلية السلسلة "الرواتية” (أو السند): حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان. ابتكرت هذه الطريقة الرصينة الصارمة من أجل توثيق الحديث الشريف أصلاً، وحين انتقلت إلى التاريخي فإنما حدث ذلك من أجل إضفاء الموثوقية والرصانة والحقيقية على المسرود التاريخي. وها هو نص الخيال الطليق ينقلها إلى مجال التخيلي المبدع، بل إنه ليبلغ في استغلالها الدرجة القصوى إذ ينهي السلسلة بأن ينسب مضمون ما يروي فيها إلى واحد من أركان رواية الحديث النبوي والصحابة البارزين (هو عبد الله بن سلام) ويجعل المتلقي لها صحابياً جليلاً آخر هو ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان. كل ذلك ليمنح ما يرويه موثوقية المقدس وحقيقيته وصرامته، مع أن ما يضفي هذه الحقيقية والقداسة والموثوقية إبداع محض وابتكار خالص وتفنن في التفتيق والتذويب والتركيب والتجاوز والعجن والصوغ لا يكاد يفوقه نموذج آخر من نماذج ابتكارية الإنسان وطاقاته المذهلة على الرحيل الدائم في عالم اللامحدود واللامرئي واللامألوف والعجائبي الخوارقي الإدهاشي. بمثل هذا النص يحق للإبداعية العربية أن تنسب لنفسها، في سياق التاريخ الأدبي الذي كانت تعيه، ابتكار فن أدبي جديد هو فن العجائبي والخوارقي، فن اللامحدود واللامألوف، فن الخيال المتجاوز الطليق وابتكار المتخيل الذي لا تحده حدود. ويجلو ذلك عبثية الادعاءات الصريحة أو المتضمنة التي يقوم عليها عمل باحثين مثل تزفيتان تودوروف ينسبون إلى الغرب حصراً ابتكار ما أسموه الآن "الفانتاستيك” وعبثية من يتعقبهم من الباحثين وهواة البحث من العرب الذين يفتنهم كل غربي، منتحلاً كان أو أصيلاً، ويقرون لكل غربي بما يزعمه لنفسه لمجرد أنه زعمه لنفسه.

Ad