Ad

هناك تواطؤ ملحوظ بين الحكومة والعديد من النواب وشبه اتفاق غير معلن على ألا يتم إصلاح الخدمات الصحية، فأغلبية النواب يتركز اهتمامهم على موضوع العلاج في الخارج، فهو محطة انتخابية محورية، وفي المقابل الحكومة تلعب معهم اللعبة ذاتها، حيث فتحت قنوات العلاج في الخارج على مصراعيها.

في سياقها السياسي، حسناً فعلت د. معصومة المبارك باستقالتها كرد فعل على حريق مستشفى الجهراء، متحملة المسؤولية السياسية عما حدث. وبغض النظر عما إن كانت استقالتها قد جاءت بمحض إرادتها واستشعاراً منها بالمسؤولية، أو إن كانت - كا يردد بعضهم - أُرغمت عليها، فإن الفعل بحد ذاته يستحق التسجيل.

إلا أن الأزمة - للأسف - أكثر تعقيداً من مجرد استقالة أو استجواب غير مكتمل. وهي أزمة ستظل معنا لن يحلها ذهاب الوزيرة أو طي ملف الاستجواب. فمن غير المعروف من سيكون وزير الصحة القادم أو «كبش الفداء» الذي سيقدم على قربان عملية سياسية تفتقر إلى الحكمة والرشد سواء من الحكومة أو البرلمان.

ولعل السؤال البسيط الساذج هنا هو؛ لماذا تتردى الخدمات الصحية في بلاد تتوافر لها كل الإمكانات لخدمات أفضل؟ ولماذا يا تُرى يتم الإنفاق على العلاج في الخارج بمبالغ تضاهي ما ينفق على الخدمات الصحية في الكويت برمتها؟

وإذا كان مسؤولو وزارة الصحة يردّدون بأن الخدمات الصحية ممتازة، فلماذا يتم نقل كبار مسؤولي الدولة للعلاج في الخارج بدلاً من علاجهم في تلك الخدمات «الممتازة»؟، أليس إصرار كبار مسؤولينا على التوجه غرباً للعلاج مؤشرا واضحا على عدم ثقتهم بالمرفق الصحي، وأن «تميز خدماتنا الصحية» ليس إلا كلاما في كلام؟!

ويتضح أيضا أن هناك تواطؤاً ملحوظاً بين الحكومة والعديد من النواب وشبه اتفاق غير معلن على ألا يتم إصلاح الخدمات الصحية، فأغلبية النواب يتركز اهتمامهم على موضوع العلاج في الخارج، فهو محطة انتخابية محورية، وفي المقابل الحكومة تلعب معهم اللعبة ذاتها، حيث فتحت قنوات العلاج في الخارج على مصراعيها، أما إصلاح الوضع الصحي خدمة لجموع الناس فيأتي في درجة متدنية من الأولويات.

إن حال الخدمة الصحية المتدهور ليس إلا مؤشراً على انعدام الصحة السياسية، ومن المؤسف أنها ستظل كذلك. وهي حال مكررة في المرافق الأخرى.

إنها حال تثير الاستغرب، فلدينا كفاءات صحية تدربت على أعلى مستوى، كما أن لدينا المال اللازم والموارد المطلوبة ومع ذلك تبقى الحال متدهورة.

وعلى افتراض أن هناك رغبة حقيقية لدى النواب والحكومة في إصلاح الوضع الصحي، وربما إصلاح الصحة السياسية إجمالاً، فنقدم لفخامتهم ومعاليهم وسعادتهم التصور التالي:

أولاً: استناداً إلى الفشل المرضي للوضع الصحي، فإن على الحكومة أن تعلن رسميا وفي جلسة برلمانية خاصة عجزها عن تحسين الخدمات الصحية.

ثانياً: تتقدم الحكومة بتصورها والبدائل المتاحة أمامها لتطوير الخدمات الصحية ومن ضمنها؛ إلغاء وزارة الصحة وتحويلها إلى جهة رقابية على القطاع الصحي الخاص واحتفاظها بالصحة الوقائية والخدمات الصحية الأولية كالمستوصفات، وتحويل المواطنين إلى تأمين صحي تتحمل تكلفته الدولة. ويوضع جدول زمني لتنفيذ المقترح المتفق عليه.

ثالثا: يتم تشكيل لجنة برلمانية بالاتفاق مع الحكومة لمتابعة ومراقبة تنفيذ البرنامج والتصور المقترح، مع تحمل مسؤولية رفع تقرير دوري لمجلس الأمة لمتابعة التنفيذ وتذليل العقبات.

من دون منهج تفكير كهذا، فإننا سنظل نكرر القصة المملة نفسها، وزير، فاستجواب، فطرح ثقة، فاستقالة. فهل تبقّى في حكومتنا ونوابنا شيء من الرشد يسمح لهم أن يفكروا خارج الصندوق المحكم الإغلاق؟ أم أن «حليمة» ستظل تكرر عادتها القديمة، ولتذهب صحة الناس ومعها الصحة السياسية الى الجحيم؟!