إن موضوعا مثل دفن نفايات نووية في الكويت، هو من الخطورة والحساسية بمكان لأن يشعل أزمة سياسية ويثير عاصفة أشد من الإعصار «غونو»، هذا لو كان مثاراً في بلد من البلدان التي تدرك معاني الأشياء وترى أبعادها الخطيرة.

ما نشرته الزميلة «الراي» على لسان المستشار الإعلامي في الهيئة العامة للبيئة، السيد محمد رمضان، عن أن القوات الأميركية دفنت في الكويت إبان تحريرها من المحتل العراقي نفايات نووية، وأن السلطات الكويتية لا تعلم عن أماكنها وطبيعتها، أعاد إلى مقدمة تفكيري علاقتنا الغريبة بالأميركان منذ حرب التحرير وحتى الساعة.

Ad

لا حاجة للغوص في تفاصيل تصريحات السيد رمضان، لأقول إن موضوعا مثل هذا، هو من الخطورة والحساسية بمكان لأن يشعل أزمة سياسية ويثير عاصفة أشد من إعصار «غونو»، هذا لو كان مثاراً في بلد من البلدان التي تدرك معاني الأشياء وترى أبعادها الخطيرة، ولكننا، والحالة ما نرى ونعيش من اضطراب وهيجان على مختلف الأصعدة يمس قشور الأشياء ولا يمس صلبها، أبعد ما نكون عن التفاعل الحقيقي مع مثل هذا الموضوع على الرغم من خطورته البالغة.

لا أدري ما سيؤول إليه حديث السيد رمضان، وهل سيصدر نفي أو تعتيم أو تخفيف لوطأة تصريحاته من أطراف ما، لكنني أدرك أن الحكومة الكويتية واقعة في فخ علاقة ضبابية مع الأميركان منذ التحرير وحتى الساعة، كانت فيها الكويت هي الطرف الأضعف على طول الخط، ولا أدري حتى متى ستستمر هذه الحال!

ذكر السيد رمضان أن خرائط دفن هذه النفايات لم تسلّم للكويت، وأنا هنا أنقل كلامة حرفيا، «من مبدأ الثقة كون أن الأميركيين حرروا الكويت فلا يريدون ضررها فانتهى الموضوع على ذلك»! هذه الجملة البسيطة تختزل تماماً سبب ضبابية علاقة حكومتنا بالأميركان في ظل الشعور بالامتنان العميق لما قدموه في حرب التحرير، والأمر لا يتوقف عند هذه النفايات النووية التي دفنوها في أماكن مجهولة من أراضينا لتبث إشعاعاتها القاتلة ببطء، وإنما ينسحب إلى أمور أخرى كثيرة تدلل في المجمل على انكسارنا الغريب تجاههم.

من هذه الأمور: الشوارع والطرق الكويتية الخارجية التي يتم تدميرها بشكل مستمر تحت ثقل نقل آلياتهم العسكرية من موانئنا ومطاراتنا باتجاه العراق، من المسؤول عن فاتورة ترميمها وتبليطها؟ وكذلك فاتورة وقود هذه الآليات الذي نوفره، من سيدفع قيمتها؟ ومتى؟ وأيضا الكهرباء والمياه التي توفر لمعسكراتهم التي هي بحجم مدن سكنية جبارة يقطنها مئات الآلاف من عساكرهم على الحدود الكويتية الشمالية على حساب الطاقة الاستيعابية المهددة أصلاً لمحطاتنا، من سيدفع فاتورتها؟ وغيرها الكثير والكثير من التسهيلات الأخرى التي تقدمها الكويت، من سيدفع قيمة فواتير هذه الأشياء، التي هي بعشرات الملايين؟ وهل هناك اتفاقات واضحة محددة بشأنها؟ أم ماذا؟

أعتقد أن على مجلس الأمة، أن يتحلى اليوم بالشجاعة الكافية، وكذلك بالوعي الكافي، لأن يطرح هذا الملف الغريب للنقاش، وأن يطالب الحكومة بكشف تفاصيله، وبتحمل مسؤوليتها لمناقشته مع الإدارة الأميركية.

هذه العلاقة الضبابية البائسة مع الإدارة الأميركية منذ تحرير الكويت يجب أن تنتهي، وهذا أبسط حقوقنا كشعب حر يعيش في بلد مستقل!