حاول بعض أعضاء مجلس الأمة خلط الأوراق وبعثرتها، وهو أسلوب أوتكتيك قد يتبع في السياسة، وقد يكون مورس في تجارب برلمانية عالمية، ولكن في تلك البرلمانات دائماً ما يكون هناك لائحة داخلية تمنع مثل هذه الأفعال التي تسيء إلى الممارسة البرلمانية.

Ad

 يلاحقه الناس «صيدوه ... صيدوه»، فيرد صارخاً « من قمة رأسه صيدوه ... صيدوه»، محاولا خلط الأوراق وبعثرتها حتى لا يُستدل عليه.

هذا، في اعتقادي، قد يفسر ما حصل في جلسة مجلس الأمة ليوم الثلاثاء الموافق 15/5/2007 من ممارسات مؤسفة ما زالت أصداؤها تتردد حتى الآن، حيث كانت الجلسة مخصصة لمناقشة ما تم عمله في قضية التعدي على المال العام فيما يعرف باختلاسات الناقلات والاستثمارات الخارجية، وقد حاول بعض الأعضاء خلط الأوراق وبعثرتها، وهو أسلوب أو تكتيك قد يتبع في السياسة، وقد يكون مورس في تجارب برلمانية عالمية، ولكن في تلك البرلمانات دائماً ما يكون هناك لائحة داخلية تمنع مثل هذه الأفعال التي تسيء إلى الممارسة البرلمانية، التي للأسف لم يتم تفعيلها في تلك الجلسة، فتركت رئاسة المجلس المجال للصراخ والشتم واستفزاز بعض الأعضاء بعبارات جارحة، وبذلك نجح التكتيك المبيت في رفع الجلسة وعدم الوصول إلى توصيات حاسمة في قضية شغلت، وما زالت، الرأي العام الكويتي منذ عقدين ونيف، ليس ذلك فحسب، بل نجح «تكتيكهم» في إعطاء بعض الناس انطباعا خاطئا بأن الأمور تدهورت فجأة، وأن المجلس قد ساءت أموره، والوضع تأزم والشمس غابت إلى الأبد، بالإضافة إلى ذلك فقد أفسح المجال لعلوّ أصوات من ينتظر دائما أي فرصة وأي خطأ حتى في طريقة إدارة الجلسات للادعاء بعدم صلاحية الدستور والمجلس!

ومع عدم التقليل من أن ما تم في تلك الجلسة قد أساء إلى الممارسة البرلمانية في الكويت، فإن ذلك كان مدبرا مع سبق الإصرار والترصد، فقوى الفساد لديها القدرة حتى الآن على تخريب جلسات مجلس الأمة باستخدام أساليب وتكتيكات مختلفة و«متطورة» أحيانا، فلنتوقع المزيد منها وبأشكال أخرى أكثر «حداثة».

كما أن القوى المعادية للديموقراطية تحاول زرع النفور في نفوس الناس حيال ما يدور في مجلس الأمة، وتسعى إلى تضخيم بعض الأخطاء أو التصرفات غير المقبولة التي قد تحصل في أي برلمان في العالم.

لقد حاول بعض النواب تهميش قضية اختلاسات الناقلات والاستثمارات الخارجية بادعاء أن هنالك قضايا أخرى (كالمدينة الإعلامية، والفحم المكلسن، وغيرهما) تمثل اعتداءات على المال العام، ويجب مناقشة جميع تلك القضايا، وهى محاولة بائسة الغرض منها حرف النقاش وخلط الأوراق، فإذا كان هنالك قضايا أخرى تتعلق بالتطاول على المال العام فليتم تحويلها على لجان تحقيق برلمانية أو على النيابة العامة أو بأي طريقة أخرى يراها المجلس للفصل فيها (كما حصل في جلسة الأسبوع الماضي)، ويجب عدم الخلط بين قضية وأخرى، فالمطروح للنقاش في تلك الجلسة الشهيرة كان قضية محددة هي اختلاسات الناقلات والاستثمارات الخارجية التي أصابت الناس بالملل الذي يكاد يصل إلى حد «اليأس» من طول انتظار نتيجة محاكمة المتهمين فيها بعد أن قال القضاء في الخارج كلمته فيها منذ أمد.

وعندما لم تنجح تلك «التكتيكات» انبرى أحد النواب مثيرا زوبعة في تلك الجلسة لا مبرر منطقيا لها، حيث كان بإمكانه وبأسلوب ديموقراطي استخدام صلاحياته الدستورية للتحقق مما يعتقد أنه تطاول على المال العام ووقفه، إن ثبتت صحته، وإلا اعتبر شريكا في ذلك الاعتداء، فلا يكفي الكلام الإنشائي المرسل وتوزيع التهم جزافا من دون أدلة، والأدوات الدستورية جميعها متاحة أمام النائب، وتقاعسه عن استخدامها عندما يتطلب الأمر، يعد نكثا للقسم العظيم الذي أقسمه، وإساءة بالغة إلى الوطن والشعب.

إننا على ثقة بأن المحاولات البائسة لتخريب الجلسات وخلط القضايا وخصوصا عندما يتعلق الأمر بسرقات المال العام وتشويه صورة مجلس الأمة أمام الناس لن يكتب لها النجاح. فالكويتيون أصبحوا على درجة كبيرة من الوعي تؤهلهم للتمييز بين الحق والباطل.