كانت الوجهة هذه المرة إلى إسطنبول درة التاج التي تنتهي إليها ينبايع التاريخ مع عراقة المدنية مع النفحة الإسلامية التي تحمل على جناحيها عراقة الفتح الإسلامي للقسطنطينية على يد محمد الفاتح، لتتحول القسطنطينية بعد إنهاء حقبة الإمبراطورية البيزنطية في هذه البقعة إلى العاصمة «إسلامبول»، ليتطور المسمى لاحقاً إلى إسطنبول... فإسطنبول، أو القسطنطينية، كما عُرفت قديماً كانت عاصمة لثلاث إمبراطوريات عظيمة: الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية.

إن إسطنبول ــ تلك الجوهرة المتلألئة بين مياه البوسفورــ ليست مجرد وجهة سياحية، بل مزيج آسر من الأزمنة، ومسرح مفتوح يروي تاريخ الإنسانية وقصتها... هنا، لا يُمكن للسائح أن يخطو خطوة من دون أن يلامس ظل حضارة أو يلتقط همس قرنٍ مضى، حيث تنسجم الأزمنة بين الماضي العريق والحاضر النابض بالحياة، وتنطلق رحلة لا تُنسى تأسر الحواس وتغذي الروح.

Ad

وتنهض إسطنبول ــ التي تتعانق فيها القارات وتتصافح الحضارات ــ كأنها أسطورة من زمن ألف ليلة وليلة، مدينة تحمل فوق أكتافها عبق التاريخ، وتفوح من جدرانها رائحة الإمبراطوريات القديمة، وتقف بشموخ على أعقاب قرونٍ من المجد، تحمل فوق عاتقها عبق البيزنطيين، وهندسة الرومان، وفخامة العثمانيين، وعراقة العمارة الإسلامية.

أُسست إسطنبول منذ أكثر من 2600 عام، ومرت عبر عصور متعددة، أبرزها الفترة البيزنطية ثم العثمانية، حيث كانت عاصمة لإمبراطوريات عظيمة. عُرفت قديماً باسم بيزنطة، ثم القسطنطينية، قبل أن يُطلق عليها اسم إسطنبول بعد الفتح العثماني عام 1453م.

هذا الإرث التاريخي الغني انعكس على معالمها المعمارية والفنية والثقافية، حيث تتناثر القصور والكنائس والمساجد والأسواق القديمة في أرجاء المدينة، في مشهد يأسر القلوب ويثير الفضول، ويمكنك أثناء دخولها زيارة متحف مينيا تورك الذي يحتوي على الكثير من المجسمات المصغرة لأجمل المعالم السياحية والأثرية في المدينة، فضلاً عن هضبة ومقهى بيير لوتي المطلة على خليج القرب الذهبي.

فورسيزونز إسطنبول... الأفضل في العالم

ووسط تلك المعالم المعمارية الناطقة بتداخل الحضارات وتعانقها في تآلف مبهر، يبرز فندق الفورسيزونز العالمي العريق بمنطقة السلطان أحمد التاريخية، والذي لا تملك حيال ما تشاهده فيه وما تلمسه من رفاهية وخدمة عالية وضيافة فاخرة ورقي وجمال ونظام إلا أن تشكر القائمين عليه، متمنياً أن يساهموا في نقل فلسفتهم وطريقة إدارتهم الممتازة للفندق إلى غيرهم، في دروس فندقية نادرة الوجود رغم تعدد الفنادق في أنحاء العالم.

وقد يجهل الكثيرون أن هذا الفندق الفخم بما فيه من مشاهد خلابة وإقامة عالية الجودة كان سجناً عثمانياً بُني عام 1918م، غير أنه تحول إلى فندق فاخر عام 1996، مع احتفاظه بعناصره المعمارية الأصلية مثل الأقواس المدببة والبلاط المزخرف والقباب، وقد خضع الفندق لتجديد شامل وأُعيد افتتاحه في ديسمبر 2021م، ما أضفى عليه لمسة عصرية مع الحفاظ على طابعه التاريخي الفريد.

في مدخله، تفتح البوابة الحديدية على فناء داخلي تتوسطه حديقة مكسوة بأزهار التوليب، تحيط بها أروقة مقببة ذات أعمدة حجرية، بينما ينساب الضوء على الجدران الصفراء الدافئة.

أما غرفه فليست مجرد حجرات بل خلايا ملكية أنيقة، تتميز بنوافذ مرتفعة مقوسة، وجدران سميكة تعزل الضوضاء، وأسقف مزخرفة بتفاصيل عثمانية، كل غرفة تحكي قصة، وكأن كل نزيل يدخل فصلاً جديداً من رواية كتبت قبل قرن.

ولا يقتصر ما يقدمه الفورسيزونز للنزلاء على مجرد الإقامة الفاخرة، بل يمنحهم رحلة روحانية في أحضان التاريخ، حيث النوافذ تُطل على مآذن شامخة، والجدران تهمس بأسرار السلاطين، كما يتميز بموقعه القريب من معالم سياحية شهيرة مثل آيا صوفيا والمسجد الأزرق وقصر توبكابي، ما يجعله خياراً مثالياً للمسافرين الراغبين في استكشاف التراث الثقافي الغني لإسطنبول.

فيه تنسجم الفخامة مع الراحة في أبهى صورها، حيث تفتح نوافذ الغرف على أفق المدينة البديع، وأمواج البوسفور التي تعانق شواطئها، كل صباح يوقظك ضوء الشمس الذهبي، يغسل الغرفة دفئاً ونقاءً، لتبدأ يومك وأنت محاط بأجواءٍ تشعُ بالفخامة والهدوء، ويخيم المساء على المدينة، وأضواؤها تنثر حكايات الليل السحرية من حولك.

ويضم الفندق 65 غرفة وجناحاً تتميز بديكورات تجمع بين الطراز التركي التقليدي واللمسات العصرية، وتحتوي الغرف على وسائل راحة حديثة مثل ماكينات نسبريسو، وأجهزة تلفاز بشاشات مسطحة، وحمامات فاخرة مزودة بأحواض استحمام عميقة.

وبينما يقدم مطعم AVLU مأكولات أناضولية بلمسة عصرية، حيث تتحول أطباق مثل «الكباب» و«المانتي» إلى تحف فنية، توفر صالة «سوريا تيراس» إطلالات خلابة على آيا صوفيا تحت ضوء القمر، إضافة إلى ما يوفره الفندق في الطابق السفلي من الخدمات المتنوعة للسبا التركي الغارق في العطور الشرقية والذي يقدم مجموعة من العلاجات المريحة.

ولا ينبغي أن ننسى مكتبة الفندق التي تضم مخطوطات عثمانية نادرة، فكل تفصيلة في الفندق مصممة لتكون التجربة شاملة، روحاً وجسداً، كما ينظم الفندق الذي يقع بالقرب من أبرز المعالم السياحية رحلاتٍ بحرية إلى جزر الأمراء وجولات تسوق في الأسواق التقليدية مثل البازار الكبير وسوق التوابل.

ولهذا كله وغيره، لم يكن غريباً أن يحصل الـ «فورسيزونز إسطنبول» بمنطقة السلطان أحمد على جائزة «أفضل فندق في العالم» لعام 2023 من مجلة Travel + Leisure، ما يعكس التزامه بالتميز في مجال الضيافة، فهو يُعد وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن تجربة فندقية تجمع بين الفخامة والتاريخ في قلب إسطنبول.

بين الفخامة والعراقة

إسطنبول ليست مدينة تُزار فحسب، بل تُعاش. كل حجر فيها له قصة، وكل مئذنة تحكي مجداً، وكل زقاقٍ يُفضي إلى أسرار دفينة. وهي تمثل تجربة سياحية لا تُنسى، تجمع بين الماضي والحاضر، بين الروح الشرقية والعصرية الأوروبية. وسواء كنت من عشاق التاريخ، أو التسوق، أو الطعام، أو البحر، فستجد في هذه المدينة ما يلبي شغفك، وستكتشف أن زيارتها مرة واحدة لا تكفي، بل تفتح شهية الزائر للعودة مراراً.

أن تزور إسطنبول، يعني أن تسير بين حكاياتٍ لم تكتمل. كل مئذنة فيها هي إصبع يشير إلى السماء، وكل زقاق هو سطر من كتابٍ لم ينتهِ، وأن تقيم في فندق فورسيزونز السلطان أحمد، يعني أن تُضاف إلى هذه الحكايات، لا كزائر، بل كشخصية رئيسية تعيش فصولها بكل الحواس.

فإلى من يبحث عن المعنى في السفر، لا الوجهة فقط، إلى من يريد أن يرى التاريخ لا أن يقرأه، والفخامة لا أن يتخيلها، إسطنبول وفندق فورسيزونز يفتحان لك الباب، وأنت عليك أن تدخل الحكاية.

وللوهلة النظرية الأولى، قد يظن الزائر قبل وصوله لإسطنبول أنها مدينة مرهقة من ثقل إرثها، لكنها تفاجئه بشبابٍ أبدي، تمزج فيه القديم بالجديد، وتُلبس كل حجرٍ معنى، تبدأ الرحلة غالباً من منطقة السلطان أحمد، حيث تقع أهم المعالم: آيا صوفيا، الجامع الأزرق، قصر توبكابي، البازار الكبير، سوق الأرواح والعطور، مضيق البوسفور، جزر الأميرات.