في زمن باتت السياحة مصدر قوة اقتصادية وثقافية للدول، تتراجع الكويت بشكل مُخزٍ، ليس بسبب قلة الإمكانات، بل بسبب فشل حكومي مُدوٍّ وإهمال متعمد لواحد من أهم القطاعات الحيوية. اليوم، يمثّل قطاع السياحة في الكويت نموذجًا صارخًا لسوء الإدارة وغياب الرؤية وتضييع الفرص.

تُدار السياحة في الكويت بعقلية بيروقراطية متكلّسة، تغرق القوانين في البيروقراطية وتكبل أي محاولة جادة للنهوض بالقطاع. القوانين الحالية لا تحفّز المستثمرين، بل تصنع المزيد من العراقيل أمامهم، بينما تغرق المشاريع السياحية في دوامات لا تنتهي من الإجراءات المعقّدة والموافقات المتشابكة. النتيجة واضحة: هروب الاستثمارات، وتجميد أي تطور سياحي حقيقي. لا هيئة مستقلة فاعلة، ولا خطة تنموية واضحة، وكأن الحكومة تعامل السياحة كترف زائد عن الحاجة لا كرافد اقتصادي استراتيجي.

Ad

الإهمال الحكومي لا يقتصر على القوانين فقط، بل يمتد ليطال معالم الكويت الثقافية ذاتها. المتاحف الكويتية التي كان من المفترض أن تكون واجهات حضارية ناطقة بتاريخ الكويت وتراثها، تحولت إلى مبانٍ مهترئة خالية من الحياة، بلا صيانة، بلا تطوير، بلا محتوى جاذب.

المتاحف أشبه بمخازن عتيقة، تديرها عقلية بالية لا تواكب مفاهيم السياحة الثقافية الحديثة. هذا الإهمال الثقافي الممنهج أدى إلى تآكل صورة الكويت الثقافية في الخارج، وأفقد البلاد فرصة تقديم نفسها كمركز ثقافي خليجي بارز.

ولا يمكن الحديث عن كارثة السياحة الكويتية دون التوقف أمام الفضيحة الكبرى: جزيرة فيلكا. الجزيرة الغنية بالآثار التي تعود إلى آلاف السنين، والمليئة بالفرص التاريخية والثقافية، تُركت مهجورة تتآكل بفعل الإهمال الحكومي المتعمد. فيلكا، التي كان يمكن أن تتحول إلى مشروع سياحي عالمي على غِرار الجزر السياحية الناجحة في دول الجوار، تحولت إلى جزيرة منسيّة ومهجورة، بلا مشاريع، بلا ترميمات أثرية مستدامة، وبلا خطة طموحة لإحيائها كوجهة سياحية ثقافية. الإعلانات الموسمية عن تطوير فيلكا لا تعدو كونها تصريحاتٍ للاستهلاك الإعلامي، سرعان ما تتبخر دون أي تنفيذ فِعْلي على الأرض.

وسط هذا المشهد المظلم، تغيب أيّ ملامح لرؤية أو قيادة جادة في ملف السياحة. التصريحات الحكومية تتكرر دون أثر، والمشاريع المعلنة تظل حبيسة الأدراج، بينما تستمر دول الخليج الأخرى في إطلاق مشاريع سياحية ضخمة تستقطب الملايين. الكويت، في المقابل، لا تزال تتعامل مع السياحة وكأنها مشروع هامشي، تائه بين البيروقراطية والتقاعس وسوء الإدارة، بلا استراتيجية واضحة، وبلا إرادة سياسية حقيقية، وبلا استثمار فعّال في الثقافة والترفيه.

إن ما يحدث اليوم في قطاع السياحة بالكويت لا يمكن تبريره أو التستر عليه. هو فشل موثّق، وجريمة في حق المستقبل الاقتصادي والثقافي للبلاد. المتاحف التي تذبل، وجزيرة فيلكا التي تحتضر، والمشاريع السياحية التي لا ترى النور، كلها شواهد حية على سوء الإدارة، وغياب الرؤية، والاستهتار بحقوق الأجيال القادمة.

إنقاذ ما تبقى من هذا القطاع لا يمكن أن يتم عبر المسكّنات الإعلامية، بل يحتاج إلى ثورة حقيقية في التشريع والإدارة والتفكير. بدونها، ستظل الكويت غائبة عن خريطة السياحة الإقليمية والعالمية، مهما أطلقت من شعارات جوفاء، ومهما تأخرت في إدراك الكارثة التي صنعتها بيدها.