هذه ليست آية فحسب، بل هي مشهدٌ من البرِّ في أصفى معانيه، ووفاءٌ نادر ترجمته الأفعال قبل الأقوال.

لقد بلغ يوسف، عليه السلام، من الجاه والمُلك ما تنحني له الرقاب، ومع ذلك، لم ينسَ مَنْ كانوا السبب في وجوده وتكوينه.

Ad

لم يقل لهما: انظرا إلى ما وصلتُ إليه، بل قال بفعلٍ صامتٍ ناطق: أنتم الملوك، وأنتم السَّادة، وأنتم مَنْ يجب أن يُرفع، لا أن يُنظَر إليه من عل.

رفع أبويه على العرش...

لم يُبقِ لهما مكاناً في الأرض، فرفعهما حيث يرتفعُ الناس كرامةً ومقاماً.

هذا هو البرُّ حين يبلغ قمته، لا يكتفي بصلة الدم، بل يفيض عنها بالحُب، والإجلال، والتقدير، والإيثار.

البرُّ الحق لا يكون فقط حين يشتد عودك، بل حين ترى والديك أعمدة قام عليها هذا العود.

البرُّ ليس فقط أن تبرَّهما في ضعفهما، بل أن تُعليهما في عزِّك.

أن تجعل من نجاحك رفعةً لهما، ومن عرشك مقعداً لقلبيهما، ومن مجدك سجادة شكر تطأها أقدامهما.

يوسف لم يحتج إلى خطبةٍ يشرح فيها عقوق الإخوة، ولا إلى بيان يُفنِّد مكر النساء...

كان يكفي أن يرى والديه بجانبه على العرش، ليشعر أن كل جراح الماضي قد اندملت، وأن البرَّ وحده يرد للروح طمأنينتها، وللنفس عزَّتها، وللأهل مكانتهم.

فإن استطعتَ أن تجعل والديك «فوق عرشك» – في قلبك، وبيتك، وحديثك، ودعائك – فقد اقتربت من مرتبة يوسف في البرِّ.

دمتم بود