توشَّح التراث الزي الوطني، وحلَّق بـ «نبض أوركسترالي» إلى العالمية في حفل «روح الكويت»، فقد تضوَّعت قاعة المسرح الوطني في مركز الشيخ جابر الثقافي، يومَي الأربعاء والخميس، بعبق التراث الخالد، منذ استهلال المشروع الغنائي الموسيقي الأول من نوعه في الكويت، حتى نهايته، ليكتب فصلاً جديداً في الموروث الوطني، بعدما حلَّق في فضاء الموسيقى العالمية مع الأوركسترا الكويتية المكوَّنة من 70 عازفاً، بقيادة المايسترو د. أحمد العود، وبمشاركة الفنانين سلمان العماري وعبدالعزيز المسباح، إلى جانب عازف الكلارنيت عبداللطيف غازي، ومدربة فنون الرقص الشعبي الكويتي بريزا الرومي.
حلة عالمية
لبس التراث حلة عالمية، أطل بها على مُحبيه، مُعلناً موعد الإقلاع على أجنحة المعاصرة، حاملاً معزوفة «المباركية» ذات الإيقاع الخماري، والتي وقَّع ألحانها بدر بوغيث، وقام بتطويرها وتوزيعها موسيقياً أحمد العود، فضجَّت قاعة المسرح الوطني بالتصفيق منقطع النظير، إذ هزَّت أغصان المشاعر بقوة، لتنثر «نوير» التراث في الأجواء.
ومن الموروث أيضاً، عزفت الأوركسترا على شغاف الحاضرين موسيقى «يا أم عمرو جزاك الله مكرمة»، والتي تألقت بأدائها فرقة الكورال، ورقص على أمواجها عدد من المؤدين لفنون الرقص الشعبي، حيث تدفقت بتوزيع موسيقي جديد كُلياً، بلمسات الموسيقار محمد القحوم.
في غضون ذلك، اعتلى الفنان سلمان العماري خشبة المسرح، ليشدو برائعة «ألا يا أهل الهوى» بشكل معاصر، كلمات وألحان المطرب الراحل عبدالله فضالة، توزيع وتطوير محمد القحوم، والتي تنتمي إلى اللون السامري، لتدخل الفنانة الكويتية بريزا الرومي بالزي الشعبي القديم، مؤدية رقصة السامري، فتمايلت الرؤوس انسجاماً مع ذلك اللون الموسيقي الأخاذ.
كما قدَّم العماري مقطوعة «السنقني»، كلمات الشاعر الحميدي بن منصور، توزيع وتطوير طارق الفيلكاوي، التي أعادت إلى الأذهان سنوات الغوص، حيث يشدو النهّام على سطح السفينة، ليؤدي عدد من البحَّارة الرقصات الشعبية المعروفة في فن النهمة، بشكل متفرد لم يعتد الجمهور عليه من قبل.
أوتار القلوب
ولأن صندوق المفاجآت كان مليئاً بالهدايا الفنية، فقد أطلَّ عازف الكلارنيت عبداللطيف غازي ليلامس أوتار القلوب بمعزوفة «حنين» التي ألَّفها بنفسه، فعادت بنا إلى بادية الكويت في العقود السابقة، وكأنه لحَّنها من سِلم موسيقي مُعتق تملؤه ألحان مُخلدة تُثير ذكريات المستمعين، وبمصاحبة الإيقاع العاشوري، الذي أضفى هو الآخر سحره الخاص على اللحن.
كما عزفت الأوركسترا الكويتية مقطوعة «هيلا يا رمانة» التي أداها الكورال، وألهبت جذوة الحماسة في نفوس الحاضرين، إذ تم توزيعها ببراعة فذة، من دون المساس بروحها الأصلية، ليسدل بعدها الستار على الفصل الأول.
بصمة كويتية
بعد استراحة قصيرة، انطلق الفصل الثاني مع «ميدلي موسيقات عالمية»، توزيع وتطوير المايسترو العود، منها الموسيقى التصويرية للفيلم الأجنبي «العرَّاب»، تأليف الموسيقار الإيطالي نينو روتا، تلتها موسيقى الرسوم المتحركة «توم وجيري»، تأليف كريستوفر لينيرتز، ليضع العود في كل جملة موسيقية بصمة كويتية مبهرة.
وأبدعت الأوركسترا بمعزوفة «الطاعون» من التراث الكويتي، توزيع وتطوير المؤلف الموسيقي فيصل شاه، والتي زادها صوت الفنان عبدالعزيز المسباح جمالاً وروعة لا تُضاهى، خصوصاً عندما أدى بصوته العذب.
أعمال تراثية معاصرة
أيضاً، تميز «روح الكويت» برائعة «يا ناس دلوني»، كلمات الشاعر الراحل فهد بورسلي، توزيع وتطوير محمد القحوم، وهي من فئة «السامري النقازي» حيث أدتها «الكورال» بطريقة متقنة جداً، ولم تخلُ كذلك من رقصة السامري المميزة التي أدتها بريزا الرومي بأفضل طريقة، لتبث الفرح والسعادة في أجواء الحفل، الذي ضج بالتصفيق و«يباب» الجمهور.
ولم تكتفِ الأوركسترا الكويتية بهذا القدر من الأعمال «التراثية – المعاصرة»، بل انهمرت أنغامها كالسحب الماطرة بغزارة، وروت ظمأ القلوب بمقطوعات مثل «تنزيلة بحرية» ذات الإيقاع الحدادي، توزيع وتطوير محمد القحوم، والذي تغنى به العماري بصوته الجهوري وإحساسه المرهف، حيث استهلها بموال «بلادي لأهلها بالأخص هي أحلى وطن».
«أبوعيون فتانة»
وتعالت أهازيج الفرح بمقطوعة «أبوعيون فتانة»، كلمات الشاعر يوسف ناصر، وألحان أحمد باقر، وتولى توزيعها وتطويرها الفنان المسباح، لتشدو بها فرقة الكورال. في حين شدا المسباح برائعة «يا حبيبي هل جفاك النوم» لعوض دوخي، إذ قدَّمها بتوزيع أوركسترالي، وإحساس من عالم آخر.
أما التحدي الأكبر، فكان مع مقطوعة «السمر والبيض» التي قدَّمها العماري، وأشعل على اثرها المدرجات، ليغادر المسرح مودعاً بمعية المسباح والعود وأعضاء الفرقة الموسيقية مع نظرات الحُب وهتافات الإعجاب من قِبل الجمهور، الذي ظل يصفق بحرارة لنجوم هذه الأمسية.
يُذكر أن «روح الكويت» جاء بالتزامن مع اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية وعاصمة للإعلام العربي 2025، إنتاج «مجموعة الراي الإعلامية»، باعتباره باكورة أعمال «الراي» في عالم الترفيه والإنتاج، بالشراكة مع شركة «كيف» للإنتاج الفني.