«قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيبٍ»، مثل قديم يقال عندما يكون الناس في نقاش دائر على أشده، كل يأتي بحججه وبراهينه، فيأتي أحدهم بخبر ينهي فيه نقاشهم بكلمة واحدة، فيفض بها جمعهم، فـ «قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيبٍ» هي مقولة عربية شهيرة تعني أن حقيقة قاطعة أو حدثاً حاسماً قد ظهر، فأنهى كل نقاش أو جدال سابق وجعله بلا فائدة.
هذا المثل وراءه حكاية، وأصلها أن قوماً اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيين قتل أحدهما من الآخر، فهم يحاولون أن يرضوهم بالدّية، وبينما هم على هذه الحال، إذ أتتهم أمَة يقال لها «جَهيزة» ففاجأتهم بقولها: إن القاتل قد ظَفر به بعض أولياء المقتول فقتلوه، عندها قالوا وقد انفض جمعهم «قَطَعَتْ جهِيزةُ قول كل خطيب»، أي لم يعد هناك طائل من وراء هذه الخُطَب، ولم يعد هناك ما يتجادلون عليه، وذهب ما قالوه مثلاً.
وقد يقال: «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ»، وهو قولٌ ذُكر في القرآن الكريم من سورة يوسف، وقال أيضاً في ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضمن حديث شريف مخاطباً فيه غلاماً: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
فبعد أن «رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» لم يعد هناك أي مجال لأي نقاش بعد أن قدّر الله وما شاء فعل، وهناك مثل كويتي عامّي يُعطي المعنى نفسه وهو: «طاح الحطب»، أي تم الاتفاق على ما اختُلِفَ عليه، ويقال أيضاً عندما يتم الصلح بعد خصام، وينتهي الأمر على سلام.
ويقال أيضاً: «جف القلم بما هو كائن»، وهي عبارة عربية بليغة تعني أن الأمر قد قُضي وانتهى، وأن ما حدث قد حدث ولا رجعة فيه، و«عند جهينة الخبر اليقين»، وفيه فصل الخطاب.
وقال أحد الشعراء في ذلك:
لَمّا رَأَيْتُ وَجْهَها صَفِيْحَة
قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيب
وصفيحة هنا تعني واضحاً.
وهناك بيت شعر يعطي المعنى نفسه بوضوح الحقيقة بعد غموضها، وهو:
فَلَمّا بَدَا الصُّبْحُ انْجَلَتْ كُلُّ ظُلْمَةٍ
وَبانَتْ حَقَائِقُ مَا كَانَ يُرْوَى
وكذلك:
إِذا حَلَّتِ العَزْماتُ لَمْ تَبْقَ حِيلَةٌ
وَمَا نَفْعُ رَأْي بَعْدَ فَصْلِ القَضَاءِ