التهادي أسلوب روحي رقيق، يؤلف القلوب ويورث المحبة، جميعنا يحب الهدايا، ونقول في الأمثال: «أنا غنية وأحب الهدية».
ومفهوم الهدية يتخطى الجانب المادي، فالهدية ليست بتكلفتها ولا حجمها، إنما بمعناها وأثرها ورمزيتها. وعندما تتلقى هدية تشعر بالسعادة ويتهلل وجهك! تشكر وتقدّر، تدرك أن المُهدي تذكرك! وميّزك وخصّك! ومهما كانت الهدية بسيطة، فإنها تشكل ذكرى جميلة عندك، وتقول أمام الجميع فلان أهداني الشيء الفلاني.
تخيّل أن تكون الهدية من الله عز وجل! في شكل فرحة وبهجة وهي عبادة وثواب!! نعم، إنه العيد! العيد هدية من الله لعباده، العيد بركة وتجدد وتهان، وسط التكبير والتحميد والتهليل، ملابس العيد وزياراته وجمعاته، «ريوق» العيد وموائده، «العيدية»، الأضاحي وإطعام المساكين وإسعادهم، صباح العيد ومساؤه، بخور العيد، مع الأجور المضاعفة! العيد «شعيرة» وتعظيم الشعائر طاعة وتعبد، بل هي من تقوى القلوب!
كيف اتخذ بعض الناس من العيد عادة للسفر؟ إنهم كمن قدمت له الهدية... فركنها وتركها وغادر! نسيها ونسي كل معانيها، لم تحرك فيه شيئا! القلوب تبحث عن الاجتماع في هذه المناسبات، فهناك من يسافر للقاء أهله، بينما آخر يترك أهله ووطنه!
وهناك من شتتهم الحروب، وحطمت الكوارث منازلهم، وغيّب الموت أحباءهم، ثم ترى من يغادر أمنه وأقرباءه ليستعرض بالتذكرة ومقعد الطائرة! الكبير فرّط، والصغير لم يفهم! رغم أهمية تنشئة الصغار على هذه القيم والمعاني، إلا أن كلا الطرفين فاتتهما أجواء العيد!
النفس تحب الإهداء، تحتاج إلى التغيير ويلزمها المنهج، مواسم الطاعات هدايا وجود من ربنا الأحد الصمد لنا لنجتهد، لنقبل، لنستشعر ونُسلم ونستبشر. كم يعجبني أولئك الذين يذكّرون «بالأيام العظيمة المباركة» المقبلة علينا، ويشاركون ويرسلون الفوائد، والنصوص، والمقاطع المسموعة والمرئية، بين الخواطر والآيات، إنها تذكرة حسنة نحتاجها مع ازدحام الحياة وانشغالاتنا وثقل نفوسنا، تكاسلنا وتهاوننا واستصغارنا وإهمالنا... تأتي هذه التذكيرات لتعيدنا إلى «التوازن» وتمنحنا الأمل برحمة الله.
ألا ليتنا نسافر إلى أعماقنا... مع الأذكار وصادق دعائنا. بدلاً من أن نشد رحالنا ونسافر بصدود عن أجمل الهدايا... اللهم ارفع البلاء عن بلداننا وشعوبنا... وبلغنا العيد بعافية منك وفضل.