تشكل البطريركية المارونية في بكركي في هذه المرحلة قبلة سياسية لمختلف القوى من توجهات متعددة أبرزها زيارة وفد «حزب الله» للبطريرك الماروني بشارة الراعي وتهنئته بالأعياد بعد قطيعة طويلة تخللتها خلافات سياسية كثيرة منها الدعوة لعقد مؤتمر دولي لحل الأزمة. زيارة وفد الحزب لبكركي سبقتها لقاءات عديدة بين محسوبين على الطرفين تمهيداً لها. وبحسب المعلومات، فإن وفوداً عديدة ستزور الراعي لطرح أفكار سياسية حول آلية الحل وانتخاب الرئيس.

وبعد اللقاء، قال رئيس المجلس السياسي في الحزب إبراهيم السيد، إن «الوضع يجعل استحقاق الرئاسة أولوية ويجب أن يتم بأقرب فرصة كي لا ينهار لبنان» وشدّد على أنه «لا يوجد صفحة قديمة وجديدة مع الراعي لكن الأوضاع الصحية وكورونا تسببت بفسحة زمنية تزيد الشوق ولا تباين بيننا بل وجهات نظر متطابقة أولها الحرص على انتخاب الرئيس».

Ad

يبقى هدف بكركي من هذه المشاورات إيجاد قواسم مشتركة يبنى عليها للوصول لتسوية تخرج لبنان من الفراغ الرئاسي. سواء عبر لقاء شخصيات مسيحية مثل رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ووفد عن «القوات» برئاسة ستريدا جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي، وشخصيات سنية متعددة كان آخرها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة.

تندرج هذه اللقاءات في سياق البحث عن مسعى سياسي جديد تقوده بكركي، والذي يجتمع السياسيون على مطالبتها به، إلا أن هذا التحرك يختلف عما حصل بين 2014 و2016 والذي اقتصر فيما بعد على لقاء بين الزعماء الموارنة الأربعة واتفاقهم على تبني نظرية الرئيس القوي أي خيار السير بواحد منهم للرئاسة. ووفق مصادر بكركي، فإن الراعي لم يكن موافقاً على مثل هذا الطرح، ولذلك لا يريد تكراره، ولم يوافق على كل الدعوات التي وجهت إليه للقيام بالدعوة لحوار مسيحي- مسيحي.

في مختلف لقاءاته كان الراعي واضحاً، بأنه لا بد من الاتفاق على شخصية قادرة على استعادة ثقة المجتمع الدولي والداخل اللبناني، وليس وفق منطلقات سابقة حتّمت على الرئيس أن يكون مقيداً بشروط سياسية أو تحالفات حزبية. وأسف الراعي بوضوح لحالة التشتت، بما في ذلك من ملفات لاسا والعاقورة، وبلدة رميش، مشيراً ضمنياً إلى أن ضعف الآخرين يجعل «حزب الله» في موقع الطرف الأقوى مقابل من لم يتوافقوا على رؤية سياسية أو على سقف يمكنهم من إقامة التوازن، ولذلك تبقى الكفة تميل لمصلحته.

بعد تقديم الراعي لهذه القراءة، بادره كثر بالقول: «لا أحد لديه القدرة على رفع راية التوازن غير بكركي»، مستعيدين لحظة مطالبة البطريرك بعقد مؤتمر دولي لحلّ الأزمة، وحينها كانت الاستجابة السياسية والشعبية سريعة وتوجهت الناس لبكركي في تظاهرة كبيرة. مثل هذه الفكرة حضرت في لقاءات البطريرك، بالإضافة إلى استذكار كثيرين حقبة البطريرك نصرالله صفير، والتحضير للقاء قرنة شهوان وبعده لقاء البريستول.

وفي الأيام المقبلة، سيستقبل الراعي المزيد من الوفود والشخصيات، التي ستطالبه مجدداً بضرورة حمل راية الحوار، بناء على دعوة لا يمكن لأحد أن يرفضها سواء كان من المعارضة أو من الوسط، ويعرف هؤلاء أنه لا بد من تقديم رؤية سياسية غير مستفزة لحزب الله، لعدم إفشال هذا التحرك، وثمة من يحاول أن يستفيد من بعض الاتصالات على خط المقربين من بكركي مع الحزب، إضافة إلى اتصال الراعي مع رئيس البرلمان نبيه بري، لتقديم طرح سياسي لا يستفز أي طرف ولا يدفعه لإجهاضه.

من بين الأفكار التي ستناقش مع البطريرك هي ورقة سياسية، تم البحث بها مسبقاً مع شخصيات مسيحية وإسلامية، تشكل خريطة طريق للخروج من المأزق الرئاسي، أو بالحد الأدنى قادرة على جمع القدر الأكبر من القوى التي لا يمكن استثناؤها أو إنجاز أي تسوية بدونها. إنها عملياً تجربة جديدة يسعى لها بعض السياسيين مع بكركي إلا أنها لن تكون مضمونة النتائج.