ضمن برنامج الجوهر، حاور متدربو البرنامج الكاتبة والمفكرة الفلسطينية الدكتورة غادة الكرمي حول كتابها «دولة واحدة المستقبل الديمقراطي الوحيد لفلسطين»، وذلك بعد ورشة تدريب على مهارات الحوار الإعلامي، تولت التدريب فيها الإعلامية لينا صوان.
واستهلت الإعلامية لينا صوان الحلقة التي أقيمت عبر برنامج زووم بتقديم الدكتورة غادة الكرمي، الطبيبة والأكاديمية والكاتبة التي ولدت في القدس بفلسطين، واضطرت مع عائلتها للهجرة إلى بريطانيا بعد نكبة 1948، ودرست الطب وتخصصت في قضايا صحة المهاجرين، قبل أن تنتقل للمجال الأكاديمي والبحثي في تاريخ الطب العربي والدراسات الفلسطينية، وشغلت مناصب بحثية هامة في جامعات بريطانية مرموقة، مثل ليدز وإكستر، حيث تعمل حالياً كباحثة في معهد الدراسات العربية والإسلامية، كما ساهمت بمقالات وتحليلات في كبريات وسائل الإعلام والصحف العالمية.
وفي إجابتها على سؤال طرحته المشاركة آية البيطار للتعرف على طبيعة ردود الفعل في بريطانيا على القضية الفلسطينية منذ طوفان الأقصى وحتى اليوم، قالت: «الإجابة عن هذا السؤال تقتضي الفصل بين مواقف السلطة وبين الشعب، فالشعب البريطاني متعاطف جداً مع الشعب الفلسطيني، وهناك مظاهرات تقام كل أسبوعين منذ ذلك الوقت، أسهمت في أن يشملنا الشعور بالتعاطف وأننا لسنا بمفردنا، حتى ان الكوفية والعلم الفلسطيني من المفردات الشائعة اليوم في بريطانيا، لكن الحكومة البريطانية موقفها الرسمي يختلف حتى لو أعلنت أنها لا تدعم العنف ضد غزة، لكن الحقيقة أن الحكومة تساعد إسرائيل سواء ببيع السلاح أو بالدعم غير المشروط، ولو أن الضغط الشعبي أسفر عن تقليص مبيعات السلاح بعض الشيء».
وأكدت أنه «لهذا السبب ليس عليكم أن تصدقوا بعض الوعود التي يطلقها قادة غربيون، سواء عن الاعتراف بفلسطين أو المطالبة بحل الدولتين، لأنها مجرد أقوال، وبدون تحويل القول لإجراءات لا ينبغي أن نصدقهم»، وأضافت أنها ذكرت الأمر في كتابها مؤكدة أنه لا إمكانية أصلاً لحل الدولتين، حتى لو افترضنا ذلك جدلاً فأين هي أرض فلسطين التي ستقام عليها الدولة؟ الجزء المفترض أنه فلسطين يفيض بالمستوطنات، كيف سيتم إخلاء المستوطنات؟ في الواقع الفكرة غير ممكنة لأن التقسيم المفترض لإقامة دولتين يعني أن يكون لفلسطين خمس المساحة المتاحة لدولة فلسطين، والباقي أي أربعة أخماس الأرض ستكون من حق إسرائيل. ورداً على أحد الأسئلة التي طرحتها المشاركة ندى القصراوي، أكدت الدكتورة غادة الكرمي وجود حالة من الاهتمام الكبير بما ينشر عن غزة، لكنها أوضحت أن الكتابة في الصحافة والإعلام حول القضية الفلسطينية في لندن والغرب عموماً يقتضي الكثير من الحذر، واستخدام المصطلحات المناسبة بسبب قوة اللوبي الصهيوني في منع نشر أي شيء ضد إسرائيل، وقالت إن الكتب التي تحاول تقديم صورة متوازنة لحماس في الغرب ليست فقط مقيدة بل وغير مفهومة، لأن حماس لا تُقدم إلا بوصفها جماعة إرهابية في بريطانيا وأميركا، وبوصفها جماعة عنيفة، وهذا يسبب المزيد من سوء الفهم.وأضافت: «أكتب مقالاً أتمنى أن ينشر أعود فيه لتأصيل الأشياء من عام 1948، وأن هذه الأمة التي تسمي نفسها إسرائيل مجرد مستعمرين احتلوا بلدا ليس لهم باستخدام القوة العسكرية، فكل ما نتج أساسه هذه الحقيقة، بما في ذلك حماس. فإذا لم تفهم أصل الموضوع فلن يتسنى لك فهم وجود حماس».
الحضارة العربية علمت الغرب
وحول كتابها «مرجانة»، الذي يتناول الطب العربي في بغداد، قالت إنه يبدو كأنه لا علاقة له بفلسطين، لأن الموضوع عن الطب العربي، «لكن في أثناء إجرائي لأبحاث عن العصر العباسي، وجدت نفسي شديدة الإعجاب بالحضارة العربية الإسلامية، العلم والهندسة المعمارية والفن، ففكرت كيف أن الشعوب الغربية وأولئك الذين يهاجمون الشعب الفلسطيني جهلاء ولا يعرفون شيئا عن هذه الحضارة العظيمة، وأن الشعب الفلسطيني كجزء من الحضارة العربية هو وريث هذه الحضارة العظيمة، وحتى الغرب قد استفاد من هذه الحضارة، لهذا كانت قناعتي أن إظهار مجد هذه الحضارة يخدم القضية الفلسطينية أيضاً».
وإجابة على سؤال طرحه المشارك محمد رمضان محمد حول حل الدولة الواحدة، وكيف يمكن في هذه الحالة أن يتعايش المواطن الفلسطيني مع قاتله، ذكرت: «أنا كتبت هذا الكتاب قبل السابع من أكتوبر، ولهذا أوافقك أنه غير ممكن أن يُطلب من الشعب الفلسطيني بعد هذه المعاناة أن يعيش مع الوحوش، لكن ما أريد قوله انه في النهاية لا أحد يطلب من الفلسطيني تحمل هؤلاء القتلة، وهم أيضا لا يرغبون في وجود الشعب الفلسطيني معهم. لذلك هذا الحل ليس حلاً آنيا لكنه يمثل نهاية طريق في المستقبل، فالواقع يجبرنا أن نتقبلهم لكن ضمن إطار ديموقراطي أي ضمن أساس المواطنة والمساواة».
دولة واحدة بلا تمييز
وأوضحت د. الكرمي أن الدولة الديموقراطية المقترحة السيادة فيها ليست للفلسطينيين ولا الإسرائيليين، وإنما هي دولة فيها قوميون تحكمهم معاً قوانين دولة المساواة، مضيفة أنها قد تبدو فكرة مؤلمة لكنها واقعية، ففي هذه الدولة لا توجد صهيونية ولا يوجد تمييز، وكل أصحاب الديانات لهم حق ممارسة شعائرهم بالطريقة التي يريدون.
وحول قضية اللاجئين، أشارت إلى أن «قيام دولة واحدة ديموقراطية تضم الشعبين تتضمن بالضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهذا سيكون حقا مكفولا لمن يريد العودة طبعاً».وإجابة على سؤال طرحته المشاركة زهراء غريب حول المشكلات الداخلية الإسرائيلية، أفادت: «أسمع ذلك، لكني لا أعرف حقيقة هذا الأمر، وبالتالي لا أستطيع الحكم، أفكر أحيانا أننا بسبب عدم قدرتنا كعرب على فعل شيء نراهن على أن الوضع الداخلي هو الذي سيجعل هذا المجتمع يأكل نفسه من الداخل، لكن أعرف أيضاً أنهم يتحدون معاً في حال شعروا بوجود هجوم خارجي»، مبينة أنه حتى بما طرحته السائلة عن تمرد الجيش الإسرائيلي، فإن إسرائيل لا تحتاج لأكثر من ألف مقاتل طيار، لأن كل ما فعلته في غزة من تدمير كان بواسطة قصف الطائرات.
وأوضحت أن الشعوب العربية كلها مختلفة عن الحكومات في تعاطفهم مع القضية الفلسطينية، لكن الكثير من الشعوب العربية أيضا تخشى من حكوماتها، ولكن يظل للمقاطعة دور كبير وأثر لا يستهان به على الاقتصاد الغربي.
ورداً على سؤال من المشاركة لينا الحسيني، أوضحت أنه «بالرغم من حرية التعبير المتاحة في الغرب، لكن هناك سقف لا يمكن تجاوزه بالنسبة لما يتناول إسرائيل والصهيونية».
إعلام غربي مضلل
وأكدت د. الكرمي أن الإعلام الغربي جاء مخيباً للآمال بسبب الدعم غير المحدود لإسرائيل، ومن يأخذ الأخبار من المنصات الإخبارية الغربية يؤدي إلى تثبيت الكثير من الأفكار المغلوطة لديه. وبالنسبة للإعلام العربي هو غير مؤثر، فلا يمكن له أن ينتقد الحكام العرب، كما أشارت إلى أن مخيمات اللاجئين في الدول العربية وضعها بالغ السوء، وهو وضع مسؤولة عنه إسرائيل أولاً وأخيراً.
ورداً على أحد المحاور التي طرحها المشارك عبدالله العنجري، أوضحت أنه في حالة تطبيق حل الدولة الواحدة لن يكون هناك مجال لوجود مستوطنات أساساً، وفي حال وجود مستوطن متطرف يرفض الإخلاء فإن الدولة ممثلة في الجيش والشرطة هي المسؤولة عن التعامل معه، لأنها تتولى تنفيذ القانون القائم على المساواة، أما ما يحدث الآن فهو سلوك عصابات لن يكون له وجود في حالة الدولة الواحدة الديموقراطية.وتعقيباً على سؤال يطرح رؤية البعض بأن سقوط الابارتهايد الإسرائيلي بات وشيكاً، أكدت أن «هذا الطرح أقرب للأمنيات منه للواقع، لأننا للأسف لسنا في وضع يتيح لنا قول ذلك. نحن لا نتعامل مع دولة إسرائيل بل نتعامل مع (إسرائيل - أميركا) وهذه صعب مواجهتها، ولولا الدعم الأميركي كانت المشكلة قد انتهت منذ زمن طويل، فأميركا لا تدعم فقط، بل تعمل مع إسرائيل. لذا صعب أن نتبنى مقولات مثل هذه الآن».
يذكر أن برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، وقد أطلقته أكاديمية لابا لوياك عام 2020، بهدف تمكين الشباب العربي من أسس إعداد وتقديم حلقات حوارية ناجحة، وتدريبه على أبجديات الإعلام على يد نخبة من الإعلاميين العرب المحترفين، وتتوج الورش التدريبية بمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة واضحة في شتى المجالات بالوطن العربي، حيث بلغ عدد ورش «الجوهر» التدريبية حتى اليوم 55 ورشة، وزاد عدد مستفيديه على 470 مستفيداً، وينفّذ البرنامج برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون.