«الشعور بالإرهاق الذهني أصبح سمة العصر»، فمع كل إشعار يصل إلى هواتفنا، وكل خبر سياسي أو جدل على وسائل التواصل، يصبح من الصعب التركيز على مهمة واحدة، ما يخلق حالة من التشتت والتوتر والإنهاك.
تقول إحدي مرضاي وتدعى «آفا»: «أفتح هاتفي لأرى حالة الطقس، فأجد إشعاراً عن خبر مزعج، فأنتقل إلى منصة X، ثم إنستغرام، ثم رسالة من والدتي، وبعدها صديقتي ترسل لي فضيحة مشاهير، وأتفقد طلبي من أمازون... وفي النهاية أنسى لماذا فتحت الهاتف أصلاً!».
هذه الحلقة من التشتت تؤدي إلى فقدان التركيز وتفاقم القلق وتراجع جودة الحياة. ويظن الكثيرون أن الحل هو الانسحاب وتقليل الأنشطة الاجتماعية، لكن بوردمان تحذر من أن الانعزال يزيد الطين بلّة، ويقوّض قدرتنا على التعافي.
وبدلاً من الانغلاق، علينا أن نعيد الاتصال بأنفسنا وبالآخرين وبالعالم. وعبر طرح ثلاثة أسئلة رئيسية تساعد في إعادة التوازن، أول هذه الأسئلة: ما القوة التي سأستخدمها؟ التركيز على نقاط القوة بدلاً من نقاط الضعف يُعد بداية فعالة. آفا، على سبيل المثال، تذكّرت كيف نجحت في تجاوز مادة صعبة في الجامعة عبر استراتيجية صارمة ومبدعة. هذا التمرين البسيط ذكّرها بقدرتها على التحمّل والمثابرة، ودفعها إلى اتخاذ خطوة عملية: حجب الإنترنت عن هاتفها، وإقناع شريكها بفعل المثل. النتيجة؟ هدوء ذهني واستعادة للسيطرة.
والتساؤل الثاني: من الذي سأتواصل معه؟ العلاقات الاجتماعية تُعد وسيلة فعّالة لمواجهة التوتر. مشاركة الأعباء مع شخص مقرّب تخفف العبء النفسي. في حالة آفا، كانت مهمتها تنظيف قبو مزدحم، وقد استعانت بصديقة قديمة. لم يقتصر الأمر على إنجاز المهمة فحسب، بل تحوّل إلى لحظة من الضحك والامتنان المتبادل.
وآخر الأسئلة: ما هي خطوتي التالية؟ وبدلاً من الانغماس في المشاعر السلبية، يجب وضع خطة عمل بسيطة: نشاط واحد مجدول في اليوم يكون مجدياً وممتعاً، كالمشي أو القراءة أو لقاء صديق، فالأنشطة تعيد تشكيل مشاعرنا، وتمنحنا إحساساً بالقدرة والوكالة.
وفي النهاية، إن ما نشعر بأننا نحتاجه -الانسحاب والعزلة- قد يكون عكس ما نحتاجه فعلاً. فإحياء الطاقة لا يأتي من الانطواء بل من الفعل، من الارتباط بالآخرين، ومن تذكير أنفسنا بأننا نملك قوة أكثر مما نظن.
*سامانثا بوردمان أستاذة الطب النفسي في كلية وايل كورنيل بنيويورك
ومؤلفة كتاب «الحيوية اليومية: تحويل التوتر إلى قوة»