نعم، سمعنا من هنا ومن هناك و«طراطيش حچي» قد يكون لها ما لها من أثر على النفس.

نعم، وصلنا من الحديث - ولأشهر طوال - أن القطاع الفلاني أو العلاني قد «تناقص» من شهادة راتبه مبلغ وقدره، ولم تكن الأرقام بسيطة، بل بمئات الدنانير.

Ad

وازدادت الأقاويل وازداد الكلام تدريجياً، وكأنه مخطط غريب في قطع أرزاق العباد بالتدريج.

كنت لأفهم شخصياً أن يتم تطبيق المساواة بالرواتب والبدلات على التعيينات الجديدة، من حيث يتم الأخذ بالوصف الوظيفي والشهادة وطبيعة العمل، ومن ثم إقرار سلّم موحد للوظائف. كنت لأتفهم أن يتم توجيه الخطط الاستراتيجية في تخفيف الجسد الحكومي بالوظائف الإشرافية. كنت لأتفهم أيضاً أن يتم إيقاف «الاستثنائي» بالغ الكلفة على البلد، رغم أن المساس بأعطياته السابقة أيضاً يعتبر هزّاً لعرش السلم الاجتماعي. ولكن ما حصل مع موظفي الأمانة العامة لمجلس الأمة الكويتي من قطع واقتصاص من رواتبهم بمقدار يصل إلى ما فوق 40 بالمئة، وانتفاض الناس لهم على مستوى البلد قاطبة، يستوجب منّا لحظة إدراك وتمعُّن وفهم للموقف، وبرودة في الأعصاب والتحليل المنطقي كذلك.

بداية، من كان يشمت بالحالة الكارثية للموظفين ممن قطعت أرزاقهم فهُم أناس إما يجهلون الموقف، أو غير مدركين لخطورة المسألة.

ولن أستخدم أسلوباً يتم فيه استخدام كلمات معادية لآراء مغايرة، لكنني ألتمس لهم عذر الجهالة وضيق الأفق، فلعلهم غير مدركين خطورة الموقف، حيث إن حياة الموظف تتم برمجتها على نمط واحتياجات تمثّل - خاصةً للموظف الرجل رب الأسرة - شيئاً من الاستقرار الاجتماعي.

فهذا الراتب هو في الواقع أسلوب ونمط حياة ترتكز عليه شهادة راتب وشهادة استمرارية وخلافه ونمط حياة، والأهم أقساط بنوك وأقساط لبنك الائتمان، وغيرها من أمور معيشية أعرفها أنا جيداً ويخبرها القارئ الكريم.

وهذا الراتب هو في الواقع مع تقادم الأيام يصبح استحقاقاً واستقراراً للمركز القانوني للموظف مع جل علاواته وامتيازاته.

هل هناك عدل ومساواة في الرواتب والكوادر، مقارنة بمستوى وطبيعة العمل في الدولة؟! الإجابة حتماً (لا). وهل يكون العلاج باقتصاص ما تم صرفه مسبقاً؟! الإجابة أيضاً (لا). وهذه والله كلمة حق أقولها، ولا خير فيني أو في غيري إن كتمها أو تشمت بغيره، فتلك المعالجة للخطأ هي أسوأ بكثير من الخطأ ذاته. وأكرر أن تتم المعالجة في التعيينات الجديدة، وتلك التي يستوجب أن يطبّق عليها سلّم ووصف وظيفي واحد، ولكن أن يتم ضرب الأرزاق بهذه الطريقة، فهو حتماً ضرب للسلم الاجتماعي واستقرار الأسر ومصاريف الأبناء ونمط الحياة.

وبمناسبة استقرار المراكز القانونية، وقد كنت ولا أزال معارضاً للرواتب الاستثنائية التي مثّلت شيئاً أشبه بالأعطيات من الدولة، إلا أنها أيضاً تمثل شيئاً من استقرار مراكز لأصحابها على مدى السنوات. فمن ضرب هذا ضرب تلك، وكنت شخصياً متوقعاً الحدث الذي كان.

على العموم، ليكن هذا المقال شيئاً من قبيل الرسائل لأصحاب القرار وتذكرة لأولي الألباب، لما في هذا الأمر من أثر نفسي قبل المادي... والله كريم وهو المستعان.

على الهامش: من أصل الخطط التنموية لدينا استغلال النفايات الصلبة، التي إن تم تثمينها - كما أشرنا سابقاً مراراً وتكراراً - لتفادينا مشاكل القطع المبرمج للكهرباء!