«إذا أردت أن تهدم دولة، فخرِّب تعليمها»... ليست هذه المقولة مجرد تحذير رمزي، بل هي حقيقة جلية، لأن ضعف التعليم لا يؤدي فقط إلى تراجع مستوى التحصيل العلمي، بل إلى إنتاج أجيال غير قادرة على التفكير، ولا على الإبداع، ولا على تحمّل مسؤوليات التنمية. فالإنسان هو جوهر أي مشروع تنموي، والتعليم هو ما يصنع هذا الإنسان.
ولا خلاف اليوم على أن مخرجات التعليم في الكويت تعاني ضعفاً شديداً، وأن الدعوة إلى إصلاح التعليم أصبحت من أكثر المواضيع تداولاً على كل لسان. ومع ذلك، فإن الإصلاح الحقيقي لا يزال غائباً. والسؤال الذي يفرض نفسه: ما المشكلة إذاً؟ ولماذا لم يتحقق الإصلاح رغم هذا الإجماع الوطني على ضرورته؟
حين نرغب في إصلاح أي خلل – من أبسط الأمور كخرير الماء في المنزل، إلى أعقدها كإصلاح منظومة التعليم – فإن أول خطوة منطقية هي معرفة أسباب الخلل. لا يمكن إصلاح شيء دون تشخيص دقيق لجذور المشكلة. ومع ذلك، فإن أول ما يبادر إليه أغلب وزراء التربية عند تسلّمهم المنصب هو تغيير المناهج، كما فعل الوزير الحالي ومن سبقوه.
لكن، هل المشكلة فعلاً في المنهج؟
هل الكتاب المدرسي الذي يحتوي على المادة العلمية هو ما يعتل به التعليم؟ وأين هي الدراسات التي تثبت أن المناهج هي السبب الرئيسي في تدهور التعليم في الكويت؟ بل كيف يمكن لمسؤول أن يبدأ مسيرته بوعود لإصلاح التعليم، فيُعلن أن تغيير المناهج يقع على سلم الأولويات دون أن يقدّم للعامة أدلة واضحة أو رؤية تربوية متماسكة؟
حتى إذا سلّمنا – جدلاً – بأن المناهج هي بيت الداء، فهل اللجنة التي شكّلها معالي الوزير لإعادة صياغة المناهج خلال خمسة أسابيع فقط تعرف بدقة مكمن الخلل؟ وهل يجمع أعضاؤها على هدف واضح ومحدد يسعون لتحقيقه؟ وهل يمكن لأعضاء اللجنة إعادة صياغة مناهج تنهض بالتعليم في مدة قصيرة كالتي حددها معالي الوزير؟ وإن كانت الإجابة بالنفي، فكيف ننتظر من هذه اللجنة أن تخرج بمناهج «مختلفة» و«مطوّرة»، بينما العقلية التي تدير العملية التعليمية لم تتغيّر، وفلسفة الدولة التعليمية لا تزال غائبة؟
الإجابة المؤسفة أن تغيير المناهج هو الخيار الأسهل سياسياً، لا يكلّف الكثير، ويبدو في ظاهره إنجازاً سريعاً. إن كانت علة التعليم تكمن في المناهج فمشكلتنا بسيطة جداً، الكتاب يمكن أن يستبدل بكتاب آخر وبسرعة البرق، كما يمكننا استيراد مناهج جاهزة من دول مجاورة وتقديمها على أنها «إصلاح»، لكن هذا مسكّن لا يشفي.
أما الجرح الحقيقي فهو ما لا يجرؤ كثير من المسؤولين على ملامسته. فالمنهج، مهما كان ضعيفاً، يمكن لمعلم ماهر أن يوصله بفاعلية، ويزرع من خلاله مهارات التفكير في طلابه. وفي المقابل، حتى أقوى المناهج لا قيمة لها إن تولّاها معلم غير كفء أو غير مهتم. وهنا بيت القصيد: ضعف مهارات المعلم هو السبب الجوهري لتراجع التعليم.
إن تطوير التعليم لا يكون بتبديل الكتب فقط، بل ببناء معلم يمتلك الكفاءة، والحماسة، والقدرة على الانتقال من أسلوب التلقين «المريح جداً» إلى أسلوب تنمية المهارات العقلية «المرهق جداً». وهذا يتطلب إعادة تأهيل شاملة، واستثماراً طويل المدى، ومواجهة مجتمعية لا يجرؤ كثيرون على خوضها.
إن إصلاح التعليم مهمة شاقة، لكنها ممكنة، إذا بدأنا من حيث يجب أن نبدأ: من المعلم لا من المنهج.