قبل نهايات القرن التاسع عشر، كان الإتيان بالكلمة المسجعة هو السائد والأغلب والأعم في معظم كتابات المؤلفين، ولم يتم التحرر من الكلام المسجع إلا بعد مطالع القرن العشرين، وبعد انتشار المطابع والكتب والجرائد والمجلات.
إلا أن قوة تأثير الموروث اللغوي ظلت مصاحبة لمهنة الكتابة، إذ فرضت نفسها على مفردات كتّاب أزمنة بدايات مطلع القرن العشرين، فكان من السهل على القارئ أن يميز أسلوب طه حسين، لخصائصه الإملائية، وكذلك يعرف أسلوب العقاد لحدّة مفرداته، وكذلك أسلوب «الدكاترة» زكي مبارك لسخرية أسلوبه، وهكذا دواليك في تشخيص خصائص كُتّاب ذلك العصر.
***
ولأن المجال - هنا - لا يتسع لأن أضرب لكم أمثلةً على كتابة التكرار والترادف، فسأكتفي بسطورٍ لعبدالله القصيمي من مقالٍ كتبه يرثي فيه المرحوم محمد أحمد النعمان، الذي كان من أنجح وزراء خارجية اليمن، وقد تم اغتياله في بيروت عام 1974، فكتب القصيمي يرثيه، ومما جاء في ذلك:
«إني مُحتاج إلى تعويضٍ ضخم، ضخم عن مُصابي هذا، أيتها الشمس لو تحولت ضخامتك إلى قيمٍ إنسانية ثم أردت أن تحوّلي كل قيمك إلى تعويضٍ لي عن مُصابي هذا، فهل تُصبحين تعويضاً كافياً؟!».
***
ويواصل:
«كل أفكاري ورؤاي وذكرياتي وتطلعاتي وآهاتي وقراءاتي وتوقعاتي وتفاسيري وكلماتي وآفاقي ومذاقي وأشواقي وخفقاتي ونبضاتي حزينة، حزينة، إن كل كلمات الحزن بكل لغاتها لا تستطيع أن تكون تعبيراً كافياً عن حزني على شيء من أحزاني، في هذه الأوقات واللحظات والدهور... آه... هل يستطيع أحد أن يتصور فجيعتي الشخصية والفكرية والأخلاقية والإنسانية والحضارية والتاريخية بفقدي لمحمد أحمد النعمان؟».
***
جاء ذلك على صفحة 58 من كتاب «مسار حوار» أعدهُ لطفي نعمان. وقد اكتفيت بهذا القدر مما جاء فيه من ترادفٍ في الرثاء.
وقد عُرف عبدالله القصيمي، يرحمهُ الله، بهذا الأسلوب المكرر في معظم مؤلفاته.