أحيا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اليوم، الذكرى الـ44 لتأسيسه، وسط مسيرة حافلة بالمنجزات السياسية والاقتصادية والدفاعية والتنموية، جعلت منه نموذجا ناجحا للتكامل الاقليمي والعمل المشترك.

ويعد إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج مبادرة كويتية، إذ تعود فكرة إنشائه إلى مايو 1976 حين كان أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في زيارة للإمارات، حيث عقد محادثات مع رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واقترح خلالها إنشاء وحدة خليجية، بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات تقوم على أسس سليمة ومتينة لمصلحة شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها.

ومنذ 25 مايو1981 في أبوظبي، حيث تأسس المجلس رسمياً باتفاق بين قادة الدول الست المؤسسة وهي: الكويت، والسعودية، والإمارات، وسلطنة عمان، والبحرين، وقطر، بات المجلس هو المنظمة الأكثر تماسكا ونجاحا في المنطقة.

Ad

مسيرة زاخرة

وفي السياق، أكد وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب، عبدالرحمن المطيري، أن الذكرى الـ44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية تمثل مناسبة غالية نستحضر فيها مسيرة زاخرة بالرؤى الطموحة والإنجازات الاستراتيجية التي عززت من مكانة المجلس كمنظومة إقليمية موحدة تنطلق بروح التكامل، وتستند إلى إرث من التلاحم والتعاون.

جاء ذلك خلال كلمة الوزير المطيري ممثل دولة الرئاسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الحالية في حفل الذكرى الـ 44 لتأسيس المجلس الذي عقد في مقر الأمانة العامة بالرياض، بحضور أمير منطقة الرياض، الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، الى جانب سفراء وممثلي السلك الدبلوماسي، وعدد من كبار المسؤولين.

ونقل المطيري في كلمته تحيات وتهاني صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله إلى قادة دول المجلس وشعوبه بهذه المناسبة العزيزة.

وأشار الى أن تأسيس المجلس يعد تتويجا لرؤية استراتيجية لقادة دول المجلس قائمة على وحدة الهدف والمصير المشترك، مستندة إلى روابط الدين والتاريخ والاخوة، مضيفا أن التجربة الخليجية أثبتت أن التنسيق المستمر يحوّل التحديات الى فرص حقيقية لتعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية.

وأكد حرص الكويت على دعم وحدة الصف الخليجي، وتكريس التعاون المشترك انطلاقاً من إيمانها بأن التضامن يمثل الأساس المتين لقوة مجلس التعاون، مشددا على أهمية مواصلة البناء على الأسس التي أرساها القادة المؤسّسون، وضرورة التركيز على تنمية الإنسان خصوصا فئة الشباب عبر برامج تعليمية وريادية تتيح لهم أداء أدوار فاعلة في مجتمعاتهم.

كيان شامخ

إلى ذلك، قال جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، إن الذكرى الـ44 لتأسيس المجلس تمثل مناسبة غالية تجسد مسيرة حافلة بالإنجازات الخليجية مشيدا بالدور الريادي للقادة المؤسسين الذين أرسوا دعائم هذا الكيان الخليجي الشامخ.

وأضاف البديوي، خلال كلمة له في الاحتفال، أن هذه المناسبة تحتفي بمسيرة خليجية مباركة انطلقت منذ 25 مايو 1981، وأسهمت في تعزيز أواصر الوحدة والتكامل والتعاون بين دول المجلس وشعوبها.

وأكد أن «مجلس التعاون أصبح بفضل رؤى القادة وحرصهم نموذجا يحتذى في التعاون الإقليمي والدولي»، لافتا إلى أن السنوات الماضية شهدت إنجازات نوعية ومحطات مضيئة في مسيرة المجلس شملت مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

قفزات اقتصادية

وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي، أوضح البديوي أن دول المجلس حققت قفزات نوعية في هذا الجانب، اذ بلغ إجمالي الناتج المحلي لها 2.1 تريليون دولار واحتلت المرتبة الـ 11 عالميا، مردفا: كما بلغ متوسط نصيب الفرد نحو 36.8 ألف دولار متوقعا نموا اقتصاديا بنسبة 4.5 في المئة خلال 2025 وارتفاعا في القطاع غير النفطي بنسبة 3.3 في المئة.

وقال إن أسواق المال الخليجية أضحت ضمن أكبر المناطق المالية عالميا، وبلغت القيمة السوقية لها أكثر من 4.3 في المئة من السوق العالمي، في حين شهدت التجارة البينية نموا بنسبة 67 في المئة وبلغ حجم الصادرات البينية 131.6 مليار دولار، كما وصلت رؤوس أموال الشركات القابلة للتداول بين المواطنين الخليجيين إلى 520.4 مليار دولار.

وفي مجالات الطاقة والتنمية المستدامة، أوضح أن دول المجلس أصبحت من أبرز الدول المنتجة للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، حيث تمثل 30 في المئة من إنتاج المنطقة من الطاقة النظيفة، و54.5 في المئة من طاقة الرياح، بما يعادل 30 في المئة من الإنتاج العالمي.

وبشأن مجال التعليم بين البديوي أن عدد الطلبة الخليجيين الدارسين في مؤسسات التعليم العالي بدول المجلس الأخرى بلغ نحو 12.8 ألف طالب في مؤشر على تكامل الأنظمة التعليمية وتبادل الكفاءات.

مصير مشترك

من جهته، أكد مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون مجلس التعاون لدول الخليج العربية السفير نجيب البدر لـ «كونا»، أن مجلس التعاون أسس بإرادة قادة دوله الأعضاء على ثوابت تتعلق بوحدة التاريخ والمصير المشترك.

وأوضح السفير البدر أن تلك الثوابت أرست قواعد راسخة للتعاون والعمل الجماعي في مختلف المجالات، مبينا أهمية مجلس التعاون في إطار العمل الإقليمي المشترك ودوره «المحوري» في تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.

وقال إن مجلس التعاون «شكل مظلة جامعة لتوحيد المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وأصبح أداة فاعلة في دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دوله ومع شركائه الدوليين».

وأضاف أن هذه المناسبة تمثل أيضا «فرصة لاستذكار اقتراح المغفور له الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، ومساهماته الأساسية في إنشاء مجلس التعاون».

كما استذكر السفير البدر أبرز المواقف التاريخية التي تجسد الدور المبدئي والشجاع لهذا الكيان، وهو تصديه للغزو العراقي الغاشم، وهو الموقف الذي سيبقى خالدا ومحفورا في ذاكرة ووجدان كل الكويتيين.

ولفت الى أن دول المجلس حرصت منذ تأسيسه على ترسيخ قيم الحوار والتفاهم والسعي نحو الحلول السلمية، وتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول المحتاجة.

وأشار في هذا الصدد إلى الشراكات الإستراتيجية التي عقدها المجلس مع تكتلات دولية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي، والصين، والولايات المتحدة، والآسيان، معتبرا أنها «بوابة» مهمة لتعزيز موقع دول المجلس على الساحة الدولية.

وعلى صعيد تعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك، أكد حرص الكويت التي تتولى حاليا رئاسة الدورة الأعلى للمجلس على استضافة العديد من الاجتماعات الخليجية في مختلف المجالات، ما يعكس التزامها الواضح بدفع المسيرة نحو آفاق أرحب، وتمكينه من أداء دور محوري في ترسيخ أمن واستقرار المنطقة.

حصن منيع

من جانبه، أكد المحلل السياسي مبارك العاتي، أهمية استذكار القادة المؤسسين الذين أسهموا في وضع اللبنات الأولى لهذا الكيان الراسخ، الذي ظل الحصن المنيع والبيت الحاضن لأبناء الخليج في مواجهة الأزمات والمحن بفضل الله ثم بحكمة وحنكة القادة الذين أرسوا دعائم الأمن والاستقرار في دول المجلس الست.

وقال العاتي إن منظومة التعاون الخليجي برهنت بقيادتها وشعوبها على قدرتها في التعاطي مع مختلف التحديات وصون الأمن والاستقرار وحماية المكتسبات، وتعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس، انطلاقا من رؤية موحدة تجلت في مواقف ثابتة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها دعم القضية الفلسطينية ومساندة الأشقاء في اليمن، وسورية، ولبنان، والعراق، والسودان، وليبيا، مرورا بالوساطات الخليجية في الملفات الدولية مثل العلاقات الأميركية - الإيرانية، والنزاع الروسي - الأوكراني، والقضية الفلسطينية، بما يعكس «نموذجا فريدا» في حسن إدارة الأزمات.

أيقونة سياسية

بدوره، وصف المحلل السياسي، سالم اليامي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأنه «أيقونة من أيقونات العمل السياسي الإقليمي والدولي»، مشيرا إلى الإنجازات الكبيرة التي حققها خلال 44 عاما، وعززت وحدة المجتمعات الخليجية، ورسخت حضور العمل السياسي الخليجي على الساحتين الإقليمية والدولية.

ولفت اليامي إلى الدور الذي يؤديه مجلس التعاون في التنسيق بين الجهود الرسمية والشعبية في دوله، مما جعله «قوة إقليمية ذات تأثير فاعل في صناعة القرار».

وأضاف أن مجلس التعاون يمثل أيضا قوة اقتصادية أسهمت في استقرار أسعار الطاقة العالمية وتوفير «إمدادات آمنة وغير مسيسة للطاقة»، كما أن من أبرز إنجازاته قدرته على التماسك والصمود في وجه المتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة منذ تأسيسه، إضافة إلى دوره في تعزيز أسس العمل العربي والخليجي المشترك.

«الخارجية»: مواصلة العمل المشترك نحو مستقبل أكثر تكاملاً

أعربت وزارة الخارجية عن مباركة الكويت لقادة وشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمناسبة الذكرى الـ44 لتأسيس مجلس التعاون.

وأكدت الوزارة، في بيان لها، مواصلة الكويت العمل المشترك بروح من التضامن والمسؤولية الجماعية نحو مستقبل أكثر تكاملاً وتأثيراً على الساحتين الإقليمية والدولية.

وأضافت أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحتفل بالذكرى الـ44 لتأسيس المجلس، إذ انطلقت مسيرة المجلس في عام 1981 ترجمة لإرادة سياسية خليجية موحدة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى سعت إلى تعزيز أواصر التعاون والتكامل بين دوله، وتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأوضحت أن الكويت إذ ترأس الدورة الحالية للمجلس فإنها كانت سبّاقة في طرح فكرة التأسيس عندما قدمها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، إيمانا منه بالدور الكبير والمحوري للمجلس في ترسيخ أواصر الأخوة والتعاون.

واستذكرت في هذه المناسبة الدور والقرار المهمين اللذين اتخذهما قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تأسيس المجلس وإرساء أركانه، ما يدل على حكمة وإدراك حقيقي لحجم التحديات والمخاطر، حيث وضعوا قواعد راسخة للتعاون البناء والتنسيق المشترك، وحققوا خلال هذه المسيرة المباركة إنجازات ومكتسبات استراتيجية.