فشل الديموقراطية لا يحدث بظهور دونالد ترامب أو رجلٍ ذي شاربٍ غريب، بل حين تعجز النخب عن مواجهة الأزمات، وهذا هو لُبّ ما تكشفه أزمة مراقبة الحركة الجوية الأخيرة.
في 28 أبريل، انقطعت أنظمة الرادار والاتصالات لأكثر من دقيقة في مطار نيوآرك الدولي، أحد أكثر المطارات ازدحاماً في الولايات المتحدة، مما أجبر الطيارين على الاعتماد على الرؤية والخبرة لتجنب كارثة مُحتملة في سماء مكتظة بالطائرات.
لم يكن الحادث استثنائياً، كما أقرَّت الحكومة بعد أيام. ففي يناير، وقع تصادم قاتل بين طائرة ركاب ومروحية عسكرية قُرب مطار واشنطن الوطني. كما باتت الحوادث الأرضية والاقترابات الخطيرة ظاهرة شائعة. في مطلع عام 2023، تسبَّب عُطل برمجي في إدارة الطيران الفدرالية (FAA) بشلل كامل لحركة الطيران الوطنية. وفي وقت لاحق من العام، اضطرت إدارة بايدن إلى تقليص الرحلات الجوية بشكل قسري في منطقة نيويورك، بسبب نقص حاد في موظفي التحكم الجوي.
ومنذ تحرير قطاع الطيران عام 1978، شهدت الصناعة أربع موجات من الأزمات المشابهة. وبينما يواصل قطاع النقل الجوي النمو وتقديم خدمات تُرضي المسافرين، يظل نظام مراقبة الحركة الجوية الحكومي عاجزاً عن مجاراته. وقد وفَّرت أحداث، مثل: هجمات 11 سبتمبر، وجائحة كوفيد، والأزمة المالية 2008-2009، فرصاً مؤقتة لتخفيف الضغط عن النظام، لكنها لم تعالج الاختلال البنيوي القائم.
عندما يكون الخبر السيئ للاقتصاد جيداً لمراقبة الحركة الجوية، فثمة خطأ جوهري في المنظومة.
ورغم أن كثرة العملاء عادةً ما تكون ميزة تجارية، فإنها ليست كذلك في هذا النظام.
فشركات تصنيع الطائرات، مثل: بوينغ، وإيرباص، تحتفل بقوائم طلباتها الممتلئة، وشركات الطيران تطوِّر أساطيلها لتقديم رحلات مباشرة وتجاوز المطارات المحورية، مما يُسهم في تحسين تجربة السفر. غير أن نظام التحكم الجوي الأميركي الحكومي لم يواكب هذا التطور. فهو يستهلك أموال دافعي الضرائب دون نتائج ملموسة، ويخلق بيئة عمل غير منتجة لموظفيه، ويُشبه في خدماته قوائم الانتظار الطويلة في المستشفيات العامة.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، حدَّدت إدارة كلينتون الإصلاح المطلوب بوضوح: إخراج إدارة الحركة الجوية من يد الكونغرس البيروقراطي والمسيَّس، وتبني نموذج شبه خاص مثلما فعلت العديد من الدول المتقدمة. في تلك الدول، التي تُدير فيها كيانات شبه خاصة حركة الملاحة الجوية، تضع سياساتها، وتحدِّد رسومها، وتموِّل استثماراتها عبر الأسواق، وتتفاعل مع النمو كفرصة، وليس عبئاً.
ويرى روبرت بول، من مؤسسة ريزون، والمُلقب بـ «عرَّاب إصلاح مراقبة الحركة الجوية»، أن فشل الولايات المتحدة في تبني هذا النموذج حتى الآن أمرٌ يدعو للرثاء.
لكن الأزمة ليست محصورة في الوكالة الفدرالية. المشكلة الأساسية تكمن في الكونغرس. لم يُنجز ميزانية كاملة في موعدها منذ عام 1996، وغالبية تشريعاته الكبرى، كقانون «أوباماكير» و«قانون خفض التضخم»، تعكس ضعفاً في القدرة على معالجة القضايا العامة بفاعلية.
وفي غياب أغلبية حزبية مستقرة وقابلة لإعادة الإنتاج، تفقد الديموقراطية الأميركية اتزانها. نعم، للهيمنة الحزبية مساوئها - كضيق الأفق الأيديولوجي، وتهميش الأقليات، كما حدث خلال سيطرة الديموقراطيين بين 1930 و1994 - لكن الوضع الحالي أسوأ، حيث تتكرر الفضائح السياسية، مثل تأخر تمرير مساعدات أوكرانيا لعام 2024، رغم تأييد غالبية الحزبين. فقد حالت الحسابات الحزبية دون تمرير التشريع ستة أشهر، بفعل تواطؤ غير مُعلن بين أقلية جمهورية تبحث عن العناوين الإعلامية، وأخرى ديموقراطية تحاول التملص من مسؤولية سياسة خارجية مرتبكة.
لعل البيانات الضخمة وظواهر العصر الحديث تلعب دوراً في إرباك منظومة اتخاذ القرار، لكن المؤكد أن نظام مراقبة الحركة الجوية الأميركي، رغم كل التحذيرات والدراسات، لا يزال ضحية هذا الخلل المؤسسي.
قد يكون من السهل توجيه اللوم إلى إدارة الطيران الفدرالية بعد حادثة نيوآرك، لكن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق الكونغرس. هناك يجب أن تتوقف كرة اللوم.
* هولمان دبليو. جينكينز الابن
كاتب عمود في «وول ستريت جورنال»