وثيقة الأخوة الإنسانية

كان الأزهر الشريف والفاتيكان قد وقعا في 4 فبراير سنة 2019 وثيقة الأخوة الإنسانية باسم المولى عز وجل وباسم النفس البشرية الطاهرة التي حرم الله إزهاقها إلا بالحق، وهو جهد يشكر للقامتين الكبيرتين الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب إمام الجامع الأزهر وبابا الفاتيكان فرنسيس الأول لترسيخ الإخاء الإنساني والمواطنة الكاملة للجميع، والبعد عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح الأقليات.

وهو ما رحبت به الأمم المتحدة في قرارها الصادر بالإجماع في 4 فبراير 2021، التي اعتبرت هذا اليوم الذي وقعت فيه هذه الوثيقة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، وهو ما يطرح سؤالاً مشروعاً هو: ألا يستحق الوجود الإنساني ذاته، وثيقة إنسانية يوقعها القامتان الكبيرتان باسم المولى عز وجل، خالق الإنسان لعمارة الأرض، وباسم النفس البشرية التي حرم الله إزهاقها إلا بالحق، لحماية الوجود الإنساني في ذاته من الفناء، قبل ترسيخ معنى الأخوة الإنسانية؟
Ad


أليس ذلك أولى وأوجب، فلن يكون إخاء إنسانياً أصلاً، إذا فني الإنسان وانتهت البشرية جمعاء، إذا عم العالم الابتلاء بظاهرة المثليين، التي تنتشر في الغرب الآن كالهشيم في النار، وقد ارتدت عباة «الحرية الشخصية»، التي تنادت بها الأديان السماوية جميعها، وقد ابتذلها المثليون وأنصارهم من دعاة هذه الحرية، وأخرجوها من سياقها، ولم يقيموا لها وزناً أو قيمة اكتفاء بوقع رنينها اللفظي في أذهان البسطاء من الناس والعامة والدهماء.

على هامش المونديال

وكانت هذه الظاهرة الحرية المثلية قد طفت على السطح في المونديال الأخير على كأس العالم في كرة القدم، وهي ترتدي عباءة الحرية الشخصية، فتصدت لها قطر الشقيقة، والدولة المضيفة لهذا المونديال بكل حزم، وردت المثليين على أعقابهم، وحالت دون رفع شعارهم في هذا الحدث العالمي، وباءت كل جهودهم– في هذا السياق– بالفشل الذريع، وهو الموقف الرائع الذي هنأنا قطر عليه في مقالنا المنشور على هذه الصفحة تحت عنوان «كأس رد الاعتبار للعالم العربي والإسلامي».

وتخللت فترة المونديال حملة في الصحافة الغربية ومن بعض منظمات حقوق الإنسان في الغرب، حملة غاضبة وظالمة علىى قطر والعالم الإسلامي، لعدم احترامها حرية المثليين، باعتبارها في زعمهم حرية شخصية أرادوا أن يصدروها إلى العالم العربي والإسلامي، في المونديال، وكأنهم يبشرون بدين جديد

ففي الملاعب، كمّم أفراد الفريق الألماني أفواههم بأيديهم أثناء اصطفافهم في الملعب لتحية النشيد الوطني الألماني، احتجاجاً على إهدار قطر للحرية الشخصية (للمثليين)، وفي المدرج خرجت وزيرة خارجية ألمانيا عن الأعراف الدبلوماسية، في السلوك حتى لو كان خاصاً، عندما شاهدها الجميع وهي تشجع فريقها، تحمل شعار المثليين، بعد أن خلعت سترتها في المدرج، في تحد واستفزاز لمنظمي المونديال.

وخلال فترة المونديال أيضاً، وقع موقف رسمي، ظهر على شاشات التلفاز في العالم كله في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية ماساشوسيتس عندما، وقفت (مورا هيلي) حاكمة الولاية في حفل تنصيبها لتخطب في ناخبيها، لتعلن في زهو وخيلاء اعتزازها وفخرها بأنها أول سيدة تحكم هذه الولاية، وأنها أول مثلية، ويبدو أنها كانت تشكر من صوّتوا لانتخابها من المثليين.

كما أعلن في خلال السنوات الماضية رؤساء وزارات في كل من آيسلندا وأيرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وصربيا، أثناء توليهم مناصبهم، أنهم من المثليين، وكأن المثلية أصبحت ديانة جديدة، تزهو وتتباهى بها القيادات السياسية، في هذا العالم الساخر من القيم والمقاييس.

منظمات حقوق الإنسان والمثليون

ولعل ما يثير العجب والاستغراب والدهشة، هذا الموقف من منظمات حقوق الإنسان، من ظاهرة الحرية المثلية، وهي إبادة الإنسان عن وجه الأرض، والتي يصدق عليها قول الشاعر:

قتل امرئٍ في غابةٍ

جريمةٌ لا تُغتَفر

وقتل شعبٍ آمنٍ

مسأَلةٌ فيها نظر

ذلك أن بعض منظمات حقوق الإنسان في الغرب، قد شغلت نفسها بجرائم فردية ترتكبها السلطة في بعض الدول في حق مواطنيها أو في حق غيرهم، وتقوم الدنيا ولا تقعد في تقاريرها المشوبة بازدواج المعايير، حيث ترتكب جرائم إبادة جماعية في فلسطين المحتلة وضد الأقليات المسلمة في ميانمار وغيرها من بلاد العالم التي ترزخ تحت نير الاضطهاد الديني والاضطهاد العرقي.

وزاد الطين بلة موقف هذه المنظمات من ظاهرة «الحرية المثلية» التي تهدد بقاء البشرية وعمارة الأرض، بل تندد بعض هذه المنظمات بالدول التي لا تتيح هذه الحرية، مع أن الوجود الإنساني نفسه كان الأولى بالحماية، وعلى سقف أولويات هذه المنظمات، باعتبار أن الحرية المثلية جريمة لا تبيد شعباً بأكمله، كما جاء في قول الشاعر، بل تبيد الإنسانية بأسرها.

وهو ما يلزمنا بألا نقف من ظاهرة الحرية المثلية موقف المتفرج أو موقف الدفاع عن قيمنا الرفيعة المرتبطة بحق الوجود، وبالفطرة التي جبل عليها الإنسان، بل أن نحشد كل طاقاتنا البشرية والمادية لاجتثاث هذه الظاهرة اللا إنسانية من جذورها قبل أن تطفح علينا بشرورها، فـ «أكبر النار من مستصغر الشرر»، بل موقف علينا واجب مضاعف الأثقال هو الهجوم على هذه الظاهرة، وتجنيد حملة إعلامية عالمية للقضاء عليها أو الحد من انتشارها، فإن أكبر النار من مستصغر الشرر.

وأدعو في هذا السياق، فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر للسفر إلى الفاتيكان، في قلب أوروبا التي تنتشر فيها هذه الظاهرة ليعقدا معاً ومع الكنائس الأخرى، الأرثوذوكس والبروتستانت وشهود يهوا وكنيسة السبتيين وكنيسة الأخوة والحاخام الأكبر لليهود، وثيقة الحياة الإنسانية للحفاظ على الوجود الإنساني، وكشف المثالب الإنسانية لحرية المثليين، من ناحية العدوان على حق المولى عز وجل، خالق الإنسان الذي استخلفه في الأرض ليعمرها، والعدوان على حق الحياة، لما تؤدي إليه هذه الظاهرة من فناء البشرية كلها، فضلاً عن عدوان على حقوق الوطنية للإنسان، حيث تؤدي هذه الظاهرة إلى فناء الأمم.

وللحديث بقية في مقال قادم عن المثالب الإنسانية لمظاهر الحرية المثلية.