بحورُ الشعرِأنشأها الخليلُ
هي الميزانُ والعلمُ الدليلُ
ببصرةَ كان مولدهُ فقيراً
وعاش بزُهدِهِ معه القليلُ
فراهيدي تعلَّم علمَ صوتٍ
وإيقاعٍ لأوزانٍ تصولُ
تفوّق في بيانٍ باقتدارٍ
وأُوتيَ منحةً ولها المثولُ
إلى أنْ صار ذا شأنٍ عظيمٍ
كنجمٍ ليس يدركهُ الأفولُ
بإلهامٍ من الرحمنِ وافٍ
فإذْ بالفتحِ إنعامٌ جزيلُ
بهندسةِ العَروضِ بها تجلّى
له علمٌ حِدائيٌّ سليلُ
بميزانٍ له حِلقٌ سواقٍ
معاييرٌ دليلٌ لا تزولُ
فأهدى للقصائدِ من حِداءٍ
تسيرُ مع القريضِ فلا يميلُ
فصار مُعلِّمَ الشعراءِ حتى
توارثَ علمهُ جيلٌ وجيلُ
وألّفَ مُعجماً للعينِ يهدي **
إلى الفصحى ومعناها الجميلُ
وألَّفَ في العروض وفي القوافي
كتاباً مرشداً وبه الأصولُ
بحورٌ تُفرِزُ الشعراءَ حقّاً
بحَيٍّ في نواحيهِ المقيلُ
لها نغَمٌ تترجمهُ المعاني
لها نبضٌ غنائيٌّ عليلُ
(بسيطٌ) في بساطات أُمِدت
(طويلٌ) ذو مُعلّقةٍ تطولُ
تكاملَ (كاملٌ) فمضى ببحرٍ
به الكلماتُ تعلو لا تقيلُ
توافرَ (وافرٌ) فأتى حصاداً
وفيراً زاخراً وبه القبولُ
تلا (مُتقارباً) فأتى بياناً
كأنَّ صداهُ ناقوسٌ صهيلُ
كذا (رجَزٌ) مُتاحٌ للرعايا
على وقعٍ يميّزهُ أصيلُ
(مديدٌ) ذو صفاتٍ مُفرَداتٍ
مضى (رمَلٌ) وتنشدهُ العقولُ
(خفيفٌ) في أعنّته المعاني
(سريعٌ) مُستهامٌ سلسبيلُ
(مُضارعُ) قد تميّز مُشرئباً
و(مُجتثٌ) به قَالٌ وقيلُ
بدا (هزجٌ) يُجلجلُ لا يبالي
و(مُقتضبٌ) له باعٌ طويلُ
و(مُنسرحٌ) به يحلو بَراحٌ
كطيرٍ ظَلَّه الظلُّ الظليلُ
وصلّى اللهُ في الأكوانِ
جمّاً على نور المشارقِ إذ تحولُ
وآلِ البيت عِترتهِ وصحْبٍ
هُمُ الأحبابُ والخِلُّ الخليلُ
* أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (16 ق. هـ.- 69 هـ) (603 - 688م)
* * مؤسس علم العروض في أوزان الشعر العربي ومؤلف أول معجم في اللغة العربية (معجم العين).