هناك حقيقة دامغة تقف على أركان عدة تؤكد ملكية الكويت لخور عبدالله، التي يحاول بعض العراقيين الآن التشكيك فيها، كتسميته التاريخية باسم حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله الصباح، طبقاً لخرائط قديمة نُشرت عام 1765م لشبه الجزيرة العربية من جانب الرحالة الدنماركي كريستن نيبور. ومن المضحك أن جميع الأفواه التي شككت في هذه الحقيقة تسمّيه خور عبدالله باسم حاكم الكويت!
إن ما يثار حول خور عبدالله ما هو إلا محاولة من البرلمان العراقي للاستناد على قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية لإبطال اتفاقية تنظيم الملاحة في هذا الخور، في حين أن نفس المحكمة والبرلمان قد أقرا قانون الاتفاقية ذاتها قبل عشرة أعوام، وهو برأينا يضع العراق في موقف محرج أمام المجتمع الدولي لعدم التزامه بالمواثيق الدولية، والذي نعتقد أنه كان له أثر يوم أمس، ضمن أسباب أخرى، في عدم حضور كثير من قادة الدول للقمة العربية الـ 34 التي دعا لها العراق، وهو لا يعي التغييرات الجذرية القادمة للمنطقة التي كشفتها زيارة ترامب الأخيرة للخليج، بينما نحن على يقين، كحال كثير من المراقبين، بأن ما يقوم به العراقيون هو بإيعاز من إيران، لزعزعة المنطقة حين انقطعت كل أذرعها إقليمياً، وصارت في أضعف حالاتها، وخسرت سيطرتها بالخليج، كمطالبتها دون جدوى بحصة في حقل الدرّة الكويتي - السعودي.
في جلسة نقاشية بمركز دراسات الخليج والجزيرة العربية بشأن خور عبدالله، التي كان من الأجدر عقدها كندوة يحاضر فيها رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي، السفير السابق خالد المغامس، بشكل أوسع، ليضع الحقائق على الطاولة بدلاً من جلسة حوارات أكاديمية، بوصفه من "الخارجية" وأحد المشاركين في مفاوضات ترسيم الحدود طبقاً للقانون الدولي مع العراق، أشار إلى مصادقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على قرار 833 لسنة 1993 بعد التحرير لترسيم الحدود البرية وجزء من البحرية المتمثلة في خور عبدالله، ووضع خط المنتصف بين العراق والكويت بعلامات حدودية، إضافة إلى اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في الخور، التي صادق عليها البرلمان العراقي، والتي بعد عام من إقرارها اعترض عليها بعض النواب العراقيين، ولكن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت حكمها بصحة تصويت البرلمان، ودستورية الاتفاقية التي اعتمدت بقانون 42/ 2013 وإلزاميتها.
إلا أنه بعد مرور عشرة أعوام، وبدعوى شكوى أحد الأطراف بخنق الاتفاقية للعراق، وبعدم صحة تصويت البرلمان، تراجعت نفس المحكمة الاتحادية العليا التي أصدرت حكماً بدستورية الاتفاقية في 2014، وادّعت في 2023 بطلان تصويت البرلمان على الاتفاقية لعدم تمسّكه بالمادة 61 من الدستور العراقي التي تنص على ضرورة حصول البرلمان على ثلثي الأصوات لإقرار الاتفاقية بقانون، وهو ادّعاء غير صحيح من المحكمة طبقاً لرأي المتخصصين، لأن الدستور آنذاك لم يشترط موافقة ثلثي البرلمان للمصادقة على قانون الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة في خور عبدالله، الأمر الذي أحرج رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، باعتباره كان شاهداً على جميع المفاوضات وقانونية المصادقة عليها قبل عشرة أعوام عندما كان وزيراً لحقوق الإنسان في الحكومة، كما أحرج الرئيس العراقي، مما جعلهما يتقدمان بطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا على قرارها بإبطال الاتفاقية في 2023 وإعادة الاعتبار إليها.
وعليه، يتضح صحة إجراءات الحكومة الكويتية بعدم دخولها في أي مباحثات ثنائية إلا بوجود رعاية دولية، مما عزز موقفنا اليوم بشأن الخور، ولذلك نطالب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإلكتروني بعدم الانجرار لأي مهاترات مع أطراف عراقية بهذا الشأن، ونطمئن الجميع بأن ملكيتنا بالخور دامغة وتؤكدها المواثيق الدولية، وأن تسميته التاريخية باسم الشيخ عبدالله الصباح، كما تؤكد المواثيق صحة الاتفاقية فيه لتنظيم الملاحة.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.