سورية وليبيا والسودان دول عربية كبرى تعاني مشكلات طائفية أو قبلية خطيرة حالياً، رغم تاريخ طويل من التفاهم والتعايش، ولا شك في أن هناك قوى خارجية صهيونية وغربية وروسية تذكي وتدعم هذه الخلافات أو تتدخل لمصلحة هذا الطرف أو ذاك عسكرياً بدوافع من عقيدتها، أو للحصول على موضع قدم في هذه الدول، أو للاستيلاء على ثرواتها.

سورية مثلاً، فرغم إعلان الثورة أن أولوياتها هي الحفاظ على وحدة البلاد وتحقيق الاستقرار ومنع الانقسام الفئوي ومشاركة الجميع في الحكم الجديد، فإن هذه التطمينات لم تمنع اشتباكات دينية وقومية، ومطالبات بالانفصال أو الحكم الذاتي من بعض غير الواعين من الدروز والأكراد، وبالتأكيد، فإن هذه المحاولات لم تخلُ من التدخلات الخارجية، خصوصاً من العصابات الصهيونية التي ستحول وحدة سورية دون تحقيق حلمها بإسرائيل الكبرى، وبالتالي فإن السعي لأي أهداف فئوية والاستقواء بالخارج وإلغاء الآخر والانتصار عليه سيؤدي إلى فتنة وقتال داخلي وتحقيق مصالح أعداء الإسلام والعروبة.

Ad

ولو رجعنا إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا أنه قدِم إلى المدينة وكان فيها القبائل واليهود والمنافقون، لكنه لم يحاربهم، وأمر بترك العصبية القبلية، فقال: «دعوها فإنها منتنة» (البخاري)، وعاهد اليهود على الاشتراك في الدفاع عن المدينة، وباع واشترى وأكل عندهم، ومارسوا دينهم بحريّة، أما المنافقون الذين أمر الله بجهادهم بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ»، فبيّن النبي أن جهادهم يكون باللسان والبيان لا بالقوة العسكرية.

لذلك، ليس أمام الدول التي تشهد الآن أو قد تشهد انقسامات أو حروباً داخلية إلا الاستفادة من دروس المدينة المنورة، والتفاهم بوضع نظام شورى للحكم يحفظ حقوق وخصوصية جميع الطوائف في دولة موحدة تتصدى لأي انقسام أو تدخل خارجي، خصوصاً أن الأغلبية العظمى من أهل هذه الدول هم من المسلمين، وأن الجميع شركاء في الوطن.

كما يجب على الواعين من جميع الطوائف في كل البلاد العربية مقاومة أي دعوى للعنصرية أو العصبية الفئوية، لأنها نار ستحرق الجميع، ولن ينتصر فيها أحد بسبب التدخلات الخارجية، وليستفيدوا من دروس لبنان الذي عانى عقوداً من حروب وانقسامات داخلية، انهار فيها اقتصاده وانتُهكت فيها أرواح سكانه وأراضيه وحدوده، بسبب إصرار أي حزب أو طائفة على الانفراد بالقرار السياسي أو العسكري، ثم عادوا فاجتمعوا بعد خمسين سنة من الصراعات.