ارتفاع عدد قضايا التعاطي للمواد المخدرة، وتصدرها قوائم القضايا التي تنظرها دوائر الجنايات الـ12 في المحكمة الكلية ينذر بشيء مخيف، يستدعي من المشرع إعادة النظر في التعامل مع قضايا المواد المخدرة وفق أبعاد صحية وتربوية وأمنية وليست قانونية فقط.

فعندما تتجاوز نسب قضايا المواد والمؤثرات العقلية والمخدرة من تعاطٍ واتجار 80% من رول الجنايات اليومي فإن هذا الأمر ليس طبيعيا مقارنة بأعداد السكان في الكويت من مواطنين ومقيمين، ومقارنة بأعداد قضايا المخدرات التي عرضت أمام محاكم الجنايات قبل سنوات ليست ببعيدة.

Ad

هذا الارتفاع اللافت بالتأكيد مرده يقظة رجال الأمن، وحرصهم على ضبط الجريمة، وملاحقتهم أوكار من يسعون في الكويت وبين شبابها شرا وضررا بنشر تلك السموم، ولكن أيضا من بين جنبات تلك الضبطيات إحالات لقضايا هي في حقيقتها قضايا تعاط، وإن سطرت بعض محاضر تلك الإحالات على أنها قضايا تعاط واتجار.

وهذا الارتفاع يستدعي النظر في عدم التوسع في تجريم حيازة عدد من المؤثرات العقلية التي تستخدم طبيا لبعض الأعراض، وأعني هنا ما يتعلق بمعالجة أعراض قلة النوم أو آلام العظام وغيرها من المشتقات الطبية التي صنفت كمؤثرات عقلية، والتي كشفت التحريات الأمنية استخدامها من قبل تجار السموم، بعد أن تتم إضافتها إلى مواد أخرى، وهذا أمر قد يكون صحيحا من الناحية الأمنية، ولكن مجرد حيازة المادة الأولية الطبية وبغرض العلاج ووفق وصفات طبية يجب ألا يكون مجرما هو الآخر لانتفاء قصد المستخدم بتلك المادة.

وما أعنيه أن التوسع في تجريم أي مشتقات طبية قد تستخدم فيما بعد في تركيبات قد تساهم في التعاطي أمر غير منضبط لمجرد التجريم، ويتعين ربطه بغرض الاستخدام وسجل الشخص وبالكمية المضبوطة، وألا يتم الاستعجال في التوقيف وتسجيل القضايا والإحالة إلى القضاء الجنائي.

جزء كبير ممن يعرضون اليوم أمام دوائر الجنايات، سواء مواطنين أو مقيمين، لأنهم أحضروا حبوباً تستخدم للنوم، ولديهم وصفات طبية، ومرخص بها في العديد من الدول العربية والخليجية، لكن يتم ضبطهم وإحالتهم إلى النيابة، وعرضهم أمام المحاكم لمجرد وجود بعض الأدوية من هذا الصنف أو صنف آخر، رغم سلامة مقصدهم وخلو سجلهم الجنائي من أي ارتباط بالتعاطي.

وكان يتعين على الأقل مصادرة تلك الأدوية، وتوقيع الشخص على تعهد بمعرفته المسبقة بأن المواد التي جلبها وإن كانت غير محظورة إلا أنها محظورة في الكويت طالما لا تتضمن لحاملها أي ترخيص طبي معتمد في الكويت، بينما من يضبط بكميات يتضح منها الاتجار، ولديه سجل جنائي، ودلت التحريات على ارتباطه بالموزعين، فيتعين إحالته بالتأكيد إلى القضاء الجنائي لمساءلته عن هذا القصد.

كما أن هناك بعدا آخر لارتفاع أعداد قضايا المخدرات تعاطيا واتجارا، ويتعين النظر لأهميته، وهو أن العديد من الضبطيات التي تعرض أمام المحاكم يتبين أنها قضايا تعاط وليست اتجارا، والكميات المضبوطة فيها لا تتجاوز «الغرامات أو عددا بسيطا من الحبوب أو سيجارة أو اثنتين»، إلا أن مجري عملية الضبط يقرر إحالتها إلى النيابة بمحضر يثبت فيه ضبط المتهم بتلك المواد، وهو يقصد من ذلك تعاطيها والاتجار بها، ثم يأتي القضاء ليقرر براءة الشخص من الاتجار وكثيرا من التعاطي، أو يقرر الامتناع عن عقاب المتهم عن تهمة التعاطي.

ولذلك فإن كثرة الضبطيات، وعرضها أمام القضاء، يؤكد وجود ظاهرة تعاط حقيقية للمواد والمؤثرات العقلية، وهي بلا شك تفشت بشكل كبير إلا أنها تتطلب بالتأكيد جملة من المواجهات لمكافحتها، وعلى رأسها المواجهة الأمنية، التي يبذل رجال الأمن جهودا كبيرة فيها، وكذلك مواجهات توعية في الإعلام والمساجد والمدارس للتحذير من تلك الآفة وخطورتها.