قد يظن البعض أن رئيس مجلس النواب أو نائب الرئيس أو رئيس المحكمة العليا يحتل المرتبة الثانية في السُّلطة بعد الرئيس، لكنهم جميعاً يخضعون للقيود التشريعية أو المؤسسية.
في المقابل، يُمكن القول إن أقوى مسؤول فعلي بعد الرئيس هو قاضي المحكمة الجزئية الفدرالية.
هؤلاء القضاة، وعددهم حالياً أكثر من 600، يتمتعون بسُلطة فردية واسعة في إصدار أوامر قانونية تؤثر على السياسات الوطنية، دون الحاجة إلى موافقة زملائهم، بخلاف قضاة الاستئناف أو المحكمة العليا الذين يُصدرون أحكاماً جماعية.
وهذه السُّلطة ظهرت جلية في السنوات الأخيرة حين لجأ العديد من قضاة المحاكم الجزئية لتعطيل أوامر تنفيذية صادرة عن إدارة ترامب، من خلال أوامر قضائية على مستوى البلاد، مما جعلهم حاجزاً أساسياً أمام تنفيذ سياساته.
والقاضي الفدرالي جيمس سي. هو، من محكمة الاستئناف للدائرة الخامسة (تكساس)، يرى أن هذه السُّلطة الفردية هي سيف ذو حدين. وحذَّر في مقابلة صحافية من أن قضاة المحاكم الجزئية يهددون نزاهة القضاء إذا استمروا في استخدام سُلطاتهم بشكل مفرط أو منحاز. وفي آرائه القانونية، أدان مراراً ما وصفه بـ «التجاوز القضائي» لبعض زملائه القضاة الذين يفرضون رؤاهم السياسية تحت غطاء القانون.
وأبرز أشكال هذا التجاوز، وفق هو وآخرين، هو إصدار أوامر قضائية شاملة (nationwide injunctions)، وهي أوامر تمنع الحكومة الفدرالية من تنفيذ سياسات على مستوى البلاد بأكملها حتى قبل الفصل في القضية.
المحكمة العليا الأميركية ستنظر هذا الشهر في قضية مهمة (ترامب ضد CASA) تتعلَّق بمدى مشروعية هذه الأوامر. وتحمل القضية أهمية كبيرة، خصوصاً أن ترامب يسعى مجدداً للرئاسة، ويواجه قضاءً فدرالياً قد يستخدم هذه الأداة لتقييد أجندته.
هو، المولود في تايوان، والذي أصبح مواطناً أميركياً في التاسعة من عُمره، يعرِّف نفسه بأنه «أصلي» (originalist)، أي أنه يؤمن بتفسير الدستور والنصوص القانونية بناءً على معناها الأصلي وقت الصياغة. يستمد فلسفته القضائية من تأثره بالقاضي المحافظ كلارنس توماس، الذي عمل معه مساعداً قانونياً، ويشدد على ضرورة التزام القضاة بالنصوص القانونية، لا بالميول السياسية أو الضغوط الثقافية.
هو ينتقد ما يسميه «التحكيم القضائي الموجه ثقافياً»، ويقول إن كثيراً من القضاة، بدلاً من الالتزام الحرفي بالقانون، يسعون لإرضاء «النخب الثقافية»، شبيهين بحُكام رياضيين ينحازون للجمهور المضيف. وقد طبَّق هذا المبدأ في أحكامه، مثل قضية تتعلَّق بتدخل ولاية تكساس في أزمة المهاجرين، حيث أيَّد صلاحية الحاكم، باعتبار ما يحدث «غزواً فعلياً»، وهو رأي لم يشاركه فيه معظم زملائه.
هذا التوتر بين الأصالية القضائية والتفسيرات الحديثة للدستور يشكِّل خلفية الصراع بين إدارة ترامب والجهاز القضائي الفدرالي، الذي بات أكثر انقساماً أيديولوجياً. ومع أن ترامب قد يعوِّل على المحكمة العليا، التي تضم أغلبية محافظة، فإن القضاة الجزئيين - المعينين في أغلبهم من قِبل إدارات ديموقراطية - قد يشكِّلون تحدياً حقيقياً له.
* جيمس فريمان