منذ انفصال الهند وباكستان عام 1947، إثر نهاية الاستعمار البريطاني، لم تعرف شبه القارة الهندية الاستقرار الكامل.
ثلاث حروب كبرى (1947,1965,1971)، إضافة إلى صراع كارغيل 1999، ونزاعات مستمرة حول كشمير، وتوترات دينية داخلية، جعلت العلاقة بين الجارتين النوويتين في حالة اشتعال دائم.
ورغم أن جغرافية الخليج العربي بعيدة نسبياً عن مسرح المواجهة، فإن الكويت – مثل باقي دول مجلس التعاون – تتأثر بعمق بكل تصعيد عسكري أو سياسي بين نيودلهي وإسلام آباد، سواء على مستوى الاقتصاد، أو الأمن، أو التوازن الدبلوماسي.
وتضم الكويت أكثر من مليون عامل من شبه القارة الهندية، موزعين بين الهند، وباكستان، وبنغلادش.
أي صدام عسكري بين الهند وباكستان لا يظل حبيس الجغرافيا، بل ينعكس في توتر اجتماعي بين الجاليات، حيث تتضارب الانتماءات داخل بيئة العمل والمعيشة، ما يضع عبئاً إضافياً على الأجهزة الأمنية الكويتية للحفاظ على الاستقرار الأهلي وتعطل التحويلات المالية، التي تُعد شرياناً اقتصادياً لعائلات هؤلاء العمال في وطنهم، ما يؤثر على البنوك المحلية وشركات الصرافة، ويسبب إرباكاً في سوق العمل المحلي، في حال تأثر استقدام العمالة الجديدة أو عودة الآلاف إلى أوطانهم بسبب المخاوف الأمنية.
وهنا، تصبح الحاجة ملحّة لوجود سياسات داخلية وقائية تُحافظ على النسيج الاجتماعي، وتمنع تصدير النزاعات الإقليمية إلى الشارع الكويتي.
وعلى الرغم من أن الكويت لا تشارك في النزاع بشكل مباشر، فإنها لا تملك مناعة كاملة من ارتداداته فالهند وباكستان من أهم أسواق النفط الكويتي، وأي اضطراب في الاستقرار الاقتصادي بهاتين الدولتين يعني تراجع الطلب على الطاقة، وبالتالي انخفاض العائدات النفطية.
كما أن ارتفاع المخاطر الجيوسياسية في جنوب آسيا ينعكس على أسواق المال العالمية، مما يؤثر على الاستثمارات الكويتية الخارجية، وخصوصاً في صناديق الأسهم والبنية التحتية، وكذلك تذبذب سلاسل الإمداد، خاصة في قطاعي الأدوية والغذاء، حيث تستورد الكويت جزءاً كبيراً من هذه السلع من الهند.
وهذا يدفع الكويت إلى إعادة التفكير في أمنها الغذائي والدوائي، وتنويع شركائها التجاريين تجنباً للوقوع في فجوة حرجة أثناء أي أزمة إقليمية.
وعلى المستوى الدبلوماسي، تلتزم الكويت بالحياد الإيجابي، لكن صراعاً بين قوتين نوويتين في آسيا يفرض عليها تحديات دقيقة، والهند شريك اقتصادي مهم ومتنامٍ، وتتمتع بعلاقات دبلوماسية قوية مع دول الخليج، كما أن باكستان حليف تاريخي وديني، ولعبت دوراً أمنياً في الدفاع عن الخليج منذ السبعينيات، بما في ذلك مشاركة قواتها في حماية المنشآت الكويتية في فترات حرجة.
وفي حال اندلاع حرب موسعة، تضطر الكويت إلى موازنة موقفها السياسي بعناية، وقد تجد نفسها مضطرة إلى تحديد مواقف أكثر وضوحاً ضمن التكتلات الخليجية أو الدولية، وهو ما قد يضعها أمام خيارات صعبة.
وما يحدث بين الهند وباكستان ليس مجرد صراع بعيد، إنما مؤشر خطير على هشاشة التوازنات العالمية، ودعوة مفتوحة للكويت لتعيد بناء مناعتها الاستراتيجية. ومن أبرز الدروس:
• أهمية تنويع مصادر العمالة والتقليل من الاعتماد المفرط على جنسية واحدة.
• إنشاء خطط طوارئ أمنية داخلية، لمنع الاحتكاك بين الجاليات في حالات النزاع.
• تبني سياسة استباقية في تأمين الغذاء والدواء، من خلال توطين الصناعات الأساسية أو الاستيراد من أسواق بديلة أكثر استقرارا.
• تفعيل الدبلوماسية الوقائية، عبر لعب دور وساطة إن أمكن، أو على الأقل دعم المسارات الأممية في منع التصعيد.