خطت تركيا في اتجاه طي واحدة من أطول حركات التمرد المسلحة، مع إعلان حزب العمال الكردستاني، اليوم، حل نفسه وإلقاء السلاح، استجابة لدعوة وجهها في فبراير الماضي مؤسسه وزعيمه التاريخي عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي منذ عام 1999 بهدف التوصل إلى «حل سياسي للقضية الكردية».
وفي قرار تاريخي ينهى صراعاً مع الدولة التركية امتد أكثر من 4 عقود وراح ضحيته أكثر من 40 ألف قتيل، أوضح حزب العمال الكردستاني، اليوم، أنه اتخذ في ختام مؤتمر عقده في الفترة بين 5 و7 الجاري بمشاركة مندوبين يمثلون مختلف القطاعات التنظيمية قرار حل هيكله التنظيمي وإنهاء العمل المسلح وجميع الأنشطة التي تتم باسمه، استناداً لدعوة أوجلان المسجون منذ عام 1999، ورغبته في إعادة صياغة العلاقات التركية - الكردية وتوفير أساس قوي للسلام الدائم والحل الديموقراطي.
وشدد الحزب على أنه أنجز «مهمته التاريخية» و«أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديموقراطية»، مشيراً إلى أن «الأحزاب السياسية الكردية ستضطلع بمسؤولياتها لتطوير الديموقراطية الكردية وضمان تشكيل أمة كردية ديموقراطية».
وقال عضو اللجنة التنفيذية للحزب دوران كالكان للمندوبين في تصريحات نقلتها وكالة فرات: «هذه ليست النهاية، بل هي بداية جديدة».
وعلى الفور، أكد رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة، فخر الدين ألطون، أن تركيا ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان المُضي بشكل سلس نحو دولة «خالية من الإرهاب»، مبيناً أن العملية لن تكون قصيرة الأمد أو سطحية، وسيتم اتخاذ جميع الخطوات بشفافية وبما يراعي حساسية الأمور.
واعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن قرار حزب العمال الكردستاني له «أهمية تاريخية» في تحقيق سلام دائم بالمنطقة، موضحاً أنه سيتم اتخاذ خطوات عملية لحل الجماعة، وأن تركيا ستراقب هذه العملية عن كثب.
وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشليك، إن تنفيذ تنظيم «بي كي كي» العملي لقرار حلّ نفسه وتسليم سلاحه وإغلاق جميع فروعه وامتداداته وهياكله غير القانونية داخلياً وخارجياً سيكون «نقطة تحول حاسمة وخطوة مهمة لتحقيق هدف الرئيس رجب طيب أردوغان لإخلاء تركيا من الإرهاب»، مضيفاً أن المؤسسات الحكومية ستتابع العملية ميدانياً بدقة وتعرض مراحلها على الرئاسة.
وأكد تشليك أن إرادة ونهج أردوغان، فضلاً عن الدعوة التاريخية لرئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، لحل «بي كي كي» وموقفه من التطورات وتوجيهاته، ستعزز الجبهة الداخلية كلياً.
من جانبه، أعلن حزب «المساواة وديموقراطية الشعوب» المؤيد للأكراد عن حقبة جديدة تتطلب إطاراً قانونياً وخطوات لبناء الثقة المتبادلة لبدء عملية ديموقراطية شاملة، معتبراً أن «قرار حزب العمال سيتطلب تحولاً كبيراً في عقلية الدولة وتبنيها نموذجاً جديداً».
ولا يعرف حتى الآن ماذا سيكون مصير أوجلان (76 عاماً)، غير أن مسؤولاً في حزب العدالة والتنمية لمح إلى أن نظام اعتقاله «سيُخفّف»، بدون أن يتطرّق إلى إمكان إطلاق سراحه، بحسب صحيفة تركيا، الموالية للحكومة.
وقال هذا المسؤول «ستُتخذ بعض التدابير الإدارية. سيُعيّن ضابط لمساعدته في (سجن) إمرالي. ستُخّفف ظروف الاعتقال... ستزداد كذلك وتيرة اجتماعاته مع حزب المساواة وديموقراطية الشعوب وعائلته».
ولفت أيضاً إلى أن الزعيم الكردي الذي يحظى بتقدير كبير لدى أنصار حزبه، يخشى على حياته في حال خرج من السجن و«يعلم أنه سيواجه مشكلة أمنية حين يخرج».
وفي حين برزت أسئلة حول مصير الجماعات المسلحة المرتبطة بالحزب، لا سيما الوحدات السورية التي تصنفها تركيا إرهابية وتعدها واشنطن شريكاً أساسياً، انعكس قرار حزب العمال ايجاباً على الصعيد الاقتصادي التركي والليرة وسوق الأسهم الرئيسي، وقوبل بترحيب واحتفالات عارمة في المناطق ذات الأغلبية الكردية التي أعاقها التمرد عقوداً من الزمن. من المتوقع أن يكون القرار عواقب سياسية وأمنية على المنطقة، بما في ذلك في العراق، وأيضاً في سورية المجاورة، التي تضم تحالفاً بين القوات الكردية والجيش الأميركي. ومن غير المعروف إذا كانت جميع فصائل وتيارات الحزب ستلتزم بالقرار وما سيكون مصير المتمردين الأكراد في جبال قنديل التركية.
واعتبر رئيس إقليم كردستان العراق، نيجرفان بارزاني، أن حل حزب العمال سيعزّز «الاستقرار» الإقليمي ويضع «أساساً لسلام دائم ينهي عقوداً من العنف والمعاناة»، مبيناً أن هذه الخطوة تدل على النضج السياسي وتمهد الطريق لحوار حقيقي يعزز التعايش والاستقرار في تركيا والمنطقة».
وهنأ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني نظيره التركي على «الاتفاق»، معتبراً أنه يشكل «لحظة فارقة» في استقرار المنطقة كلها، غير أنه حذر أكراد سورية من أن «المماطلة» في تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته مع السلطات في دمشق بشأن دمج مؤسسات الإدارة الكردية في إطار الدولة، من شأنه أن «يطيل أمد الفوضى ويفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية ويغذي النزعة الانفصالية»، مؤكداً «هدفنا ليس الهيمنة، بل التوحيد».
ودعت المفوضية الأوروبية جميع الأطراف إلى «اغتنام الفرصة» لتحقيق السلام، ورأت أن إطلاق عملية سلام لحل القضية الكردية خطوة نحو الحل السلمي الدائم.