أثناء الدراسة بغلاسكو، في منتصف السبعينيات، كان اتحاد الطلبة المسلمين SUMSA يضم دارسين لمختلف التخصصات، وكان أحدنا يدرس الماجستير في إدارة الأعمال Business، وكانت أطروحته عن شركة بريطانية كبرى، وفي أحد اللقاءات أطلعني على المبالغ الكبيرة المعلنة التي تقدمها هذه الشركة إلى العصابات الصهيونية، وبحمد الله، لم أدخل إلى أي فرع من هذه الشركة منذ ذلك التاريخ، وهذا موقف إسلامي عادي، لأن تبرعات هذه الشركة يتم استخدامها لاحتلال مقدسات وأرض إسلامية وقتل أو طرد أهلها منها.
وفي الأسبوع الماضي قرأت للكاتب الفذ د. عبداللطيف بن نخي مقالة عن ردة الفعل الأوروبية الكارهة لمطالبة ترامب بغرينلاند، والتي ترسخت بعد إعلان ترامب زيادة التعرفة الجمركية على السلع الأوروبية، وأن هذه الكراهية الأوروبية موثقة في تقرير حديث أعده البنك المركزي الأوروبي، وعلى سبيل المثال، طوّر الأوروبيون تطبيقات لمقاطعة المنتجات الأميركية، مثل تطبيق: Brand snap، كما أنشأوا قنوات على منصة face book من بينها قناة boycott USA، حيث تحدد هذه المواقع منشأ المنتج الأميركي وتقترح المنتج البديل.
هكذا تحركت هذه الشعوب الحية بدافع من شعورها وضميرها في تحرّك شعبي لا علاقة له بالحكومة وسياستها المعقدة وعلاقتها بأميركا.
فما الذي يمنع أن يكون عندنا مثل هذه المواقع التي توثق أسماء الشركات التي تدعم العصابات الصهيونية وجرائمها وتبينها للناس بالأدلة، ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إن «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»؟ ألا يمكن بذلك إرسال رسالة من كل مسلم إلى الشركات الداعمة للصهيونية بأن عملها يُغضب أكثر من مليار مسلم، وأنهم قرروا الشراء من شركات أخرى؟
لا يجوز أبداً إهمال الموقف الشخصي، لأن الحكومات قد يكون لها موقف أو تحرك مختلف أو اضطراري حسب ظروفها الخاصة، أما المسلم فهو يتخذ موقفاً شخصياً إذا علم علم اليقين خطورة شراء بضائع مَن يعين على ظلم أخيه المسلم وقتله رغم وجود المنتج البديل المناسب والقانوني، لأن الشراء من مختلف البضائع الموجودة في البلاد تصرُّف شخصي يملكه الإنسان لنفسه وليس قراراً حكومياً.
إن الوسائل الحديثة والشفافية العالمية والمواقع الموثوقة تمكننا من معرفة الشركات الداعمة للصهيونية لتحذير قومنا من العرب والمسلمين منها، حتى يمكن بسهولة الإعراض عن شراء بضائعها، حتى تتوقف عن دعم الظالم القاتل.
قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من أعان قومَه على ظُلمِ فهو كالبعير المُترَدِّي يَنْزِعُ بِذَنَبِهِ»، أي كالبعير الذي وقع في بئر ويحاولون رفعه وإخراجه من ذيله فيتقطع ويهلك، ولا ينجو من جسمه شيء.