في وقت دخلت تعديلات قانون المرافعات رقم 59 لسنة 2025 حيز التنفيذ، ومع تقديم أول طلب للضبط والإحضار الأسبوع الماضي متوافقاً مع الشروط المقررة في القانون، تثور جملة تساؤلات عن بيان المسؤولية القانونية للشركات والبنوك الممتنعة عن تنفيذ الأحكام القضائية وجواز إصدار الضبط والإحضار وتنفيذ أمر قاضي التنفيذ بحبس الشخص الممتنع لديه عن تنفيذ الأحكام القضائية المدنية والتجارية، في ظل نص المادة 295 من القانون التي سمحت لقاضي التنفيذ إيقاع أمر الحبس على الشخص الاعتباري الخاص الممتنع عن تنفيذ الحكم، وهو النص الذي لم يكن له وجود منذ نشأة قانون المرافعات الصادر في عام 1980.

ومن بين التساؤلات المطروحة هي متى يصدر قاضي التنفيذ أمر الحبس على الشخص الاعتباري الخاص (الشركات والبنوك)؟

Ad

والإجابة عن هذا التساؤل: «فقد نص القانون وفق المادة 292 على أن أمر الضبط والإحضار يصدر بناءً على سند تنفيذي أي حكم قضائي بثلاث صور هي:

• إما بحكم نهائي ويكون إما بصدور حكم الاستئناف أو صدر من محكمة أول درجة ولم يتم الطعن عليه بالاستئناف.

• أو أن يصدر بناءً على سند تنفيذ كأمر أداء من قاضي الأمور الوقتية.

• أو أن يصدر بناءً على أمر على عريضة.

ومن ثم فإن السندات التنفيذية الأخرى – بخلاف ما ذكر – مثل العقود والمحررات الرسمية المُذيلة بالصيغة، فإنها تخرج عن السندات التي يجوز إصدار أمر الضبط والحبس بناءً عليها.

وبعد ورود تلك الأحكام بصورها الثلاث السابقة بصورة حكم أو أمر قضائي كأمر أداء أو أمر على عريضة يتم فتح ملف التنفيذ وإعلان الخصم (المدين الشخص الاعتباري الخاص) بالحكم ثم يطلب الدائن (الصادر له الحكم) من قاضي التنفيذ إيقاع الضبط والإحضار، وهنا تطلب القانون وبحسب ما ورد بمذكرته الإيضاحية أن يرفق الطلب الاستعلام عن بيانات الشركة وملاءتها ثم يتحقق قاضي التنفيذ عن هوية الشخص الممتنع في الشخص الاعتباري الخاص ثم يُصدر أمراً بحبسه على ألا تطول مدة الحبس ستة أشهر كما يجوز للقاضي منح الشركة مهلة لمدة لا تتجاوز شهراً، كذلك يملك القاضي وبعد موافقة الدائن تقسيط المبلغ على الشخص الاعتباري الخاص وفي حال تخلف عن الوفاء بقسط يقع أمر الحبس مجدداً بحق الشخص الاعتباري الممتنع عن التنفيذ.

كما يثور التساؤل الآخر، وهو هل هناك حالات تمنع من صدور الضبط والإحضار ومن ثم الحبس على الشخص الاعتباري الخاص؟

والإجابة عن التساؤل، فإن حكم القانون نصّ على أن يمنع إصدار الأمر بحبس رئيس مجلس إدارة الشركة أو المسؤول عن الإدارة حال ثبوت امتناعه شخصياً عن تنفيذ الحكم القضائي في الكيان الاعتباري الخاص، إذا تبين وبحسب المادة 294 من التعديل التشريعي رقم 59 لسنة 2025 أنه:

أ- لم يتجاوز الحادية والعشرين أو تجاوز الخامسة والستين.

ب- إذا كان له أولاد لم يبلغوا الثامنة عشرة عاماً، وكان زوجه متوفياً أو محبوساً لأي سبب.

ج- إذا كان زوجاً للدائن أو من أصوله أو فروعه ما لم يكن الدين نفقة مقررة.

د- إذا كان قد استوفى الحد الأقصى لمدة الحبس التي حددها أمر سابق عن ذات الدين.

ه- إذا قدم كفالة مصرفية كافية، أو كفيلاً عينياً يقدم مالاً يعادل الدين أو كفيلاً مقتدراً يقبله المختص بإصدار الأمر.

و- إذا ثبت بموجب تقرير طبي إصابته بمرض لا يتحمل معه الحبس أو إذا كانت امرأة حاملاً.

ي- إذا قامت ملاءته كلياً على أموال لا يجوز الحجز عليها.

كما أن القانون، وإن اشترط يسار المدين، فإن ذلك اليسار ينسحب على الشخص الاعتباري الخاص، فإذا كان مفلساً أو تحت التصفية أو متعثراً مالياً ومتوقفاً عن السداد فيمتنع على القاضي إصدار أمر الحبس بحقه.

كما نص القانون وبحسب المادة 296 على أن الحبس يسقط بعد صدوره على الشخص الممتنع عن تنفيذ الحكم القضائي في الشخص الاعتباري الخاص في ثلاث حالات هي:

1- إذا وافق الدائن كتابة على إسقاط الأمر.

2- إذا انقضى، لأي سبب من الأسباب التزام المدين الذي صدر ذلك الأمر لاقتضائه.

3- إذا سقط أي شرط من الشروط اللازم توافرها للأمر بالحبس أو تحقق مانع من موانع إصداره.

لذلك فإن على المسؤولين عن تنفيذ الأحكام القضائية في الأشخاص الاعتبارية الخاصة كالبنوك والشركات، وغالباً ما يكونون هم المديرون أو رؤساء مجالس الإدارات، التحوط من مغبة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية لأنهم عرضة لإصدار أوامر الضبط والإحضار والحبس إلا إذا انتفت بحقهم أي من الموانع الواردة في حكم المادة 294 من القانون وفق تعديله الأخير والمستحدث في القانون رقم 59 لسنة 2025 بشأن تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية.

كما أن لرؤساء مجالس إدارات الشركات والبنوك إمكانية تجنّب قرارات قاضي التنفيذ وعدم الوقوع في حكم المادة (295)، التي تنص على أنه:

إذا كان المدين شخصاً اعتبارياً خاصاً صدر الأمر بحبس من يكون الامتناع عن التنفيذ راجعاً إليه شخصياً بأن يعهد بعد موافقة الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة للرئيس التنفيذي في الشركة أو لمسؤول الشؤون القانونية مسؤولية متابعة الأحكام وتنفيذها والتعامل معها عملاً بأحكام القانون لكونها من الأعمال التنفيذية الخاصة بعمل الشركة.

والمؤكد على جواز ذلك الحل، هو ما أشارت إليه المادة 295 من التعديل إلى أن قرار الضبط والإحضار يطال الممتنع شخصياً عن تنفيذ الحكم القضائي دون أن تسميه صراحة كممثلها القانوني أو رئيس مجلس إدارتها إنما حددت صدور أمر الضبط الحبس للمتنع شخصياً عن تنفيذ الحكم، بالتالي قد يُطال الضبط والإحضار موظفاً بعينه أو مديراً أو عدداً من الموظفين طالما ثبت مسؤوليتهم الشخصية بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية رغم ملاءة الشركة عن الوفاء بدين الدائنين.

كما لا يسمح القانون لقاضي التنفيذ افتراض مسؤولية رؤساء مجالس الإدارات أو مديري الشركات لإصدار أوامر الحبس أو الضبط والإحضار بحقهم لاشتراط وجوب تطبيق حكم المادة بإيقاع الحبس على الممتنع شخصياً عن التنفيذ ما يتعين على قاضي التنفيذ وعند عرض طلب الضبط الإحضار من الباحث في إدارة التنفيذ على الكيان الاعتباري الخاص التحقق أولاً عن صفة الممتنع في الشخص الاعتباري الخاص عن تنفيذ الحكم القضائي قبل إيقاع أمر الحبس، وهو ما يعني وجوب مخاطبة قاضي التنفيذ للشركات أو البنوك الممتنعة عن تنفيذ الأحكام قبل إصدار الحبس بحقها ومطالبتها بالحضور وبالإفصاح عن المسؤول الممتنع في الشركة أو البنك عن تنفيذ الحكم حتى يقوم بإصدار أمر الضبط والحبس.

ويثور السؤال هنا هل يجوز لقاضي التنفيذ إصدار أمر الحبس بحق ممثل الشركة أو البنك الذي يمتنع عن الإفصاح عن المسؤول الممتنع عن تنفيذ الحكم القضائي أم أنه يجوز لقاضي التنفيذ إصدار أمر الحبس بحق الممثل القانوني طالما لم يفصح ممثل الشركة عن اسم المسؤول الممتنع عن التنفيذ والذي قد يكون هو شخصياً؟

والإجابة عن هذا السؤال برأيي:

بأن المشرع طالما حسم أمره بإيقاع أمر الحبس على المسؤول الممتنع شخصياً عن الحبس فلا يجوز افتراضه برئيس مجلس إدارة الشخص الاعتباري الخاص (كالشركة أو البنك) أو القائم على إدارتها، كما أن المشرع قطع وبكل وضوح بأن أمر الحبس يصدر على الممتنع شخصياً لا الممتنع حكمياً عن التنفيذ، وعليه فلا يجوز إيقاع الحبس هنا لمجرد عدم رد الشركة على خطاب إدارة التنفيذ أو امتناع ممثلها عن الحضور، ويتعين إصدار قاضي التنفيذ بتكليف للممثل القانوني للشركة أو القائم على إدارتها عن طريق إدارة التنفيذ أو شرطتها للحضور أمامه وإثبات اسم الشخص الممتنع عن التنفيذ وإصدار أمر بحبسه لأن النص اشترط إيقاع الحبس على الممتنع شخصياً عن تنفيذ الحكم القضائي ولم يسمه أو يشر إليه على نحو يتضح عن هويته وفق صراحة النص.

وقد يكون عدم إيراد المعني بالامتناع عن التنفيذ للحكم القضائي صراحة في الشخص الاعتباري الخاص وفق حكم المادة 295 عيباً ينال من حكم المادة 295 ويجعل من تطبيقها على أرض الواقع أمراً مرهقاً على الدائن وعلى قاضي التنفيذ بسبب من اشترطته المادة من بيان هوية المخاطب بها وعلى نحو واضح وصريح، كما سيسمح الحال تهرب الشخص الاعتباري من الضبط إذا أعلن عن سفر ممثله القانوني أو أن الممتنع (موظف) خارج البلاد وهو المسؤول عن الموافقات الخاصة بصرف المبالغ.

كما أن قرار قاضي التنفيذ بحبس الممثل القانوني للشخص الاعتباري الخاص إذا لم يكن هو الشخص الممتنع عن التنفيذ عرضة للطعن والتظلم أمام القضاء إذا أثبت عدم مسؤوليته ومسؤولية موظف آخر عن ذلك الامتناع، وللمحكمة أن تقرر رفع الضبط والحبس بحقه.

كما يجوز لقاضي التنفيذ حال اعتراض الممثل القانوني على أمر الحبس وبعد أن يثبت عدم مسؤوليته عن الامتناع ومسؤولية موظف آخر أن يقرر استبدال قرار الضبط والحبس للموظف الذي يثبت مسؤوليته في الشركة أو البنك، لأن القانون لم يمنع على قاضي التنفيذ ذلك بتصحيح أمر الحبس، ما يعني جواز استبدال أمر الحبس متى ما ثبت لاحقاً مسؤولية الممتنع شخصياً عن تنفيذ الحكم القضائي.

*المحامي في «أركان للمحاماة»